قد يقف حاجز اللغة دون الكلام المباشر، لكن المحبة لا يقف في وجهها شيء. في العام 2007 وبمهرجان لوديف، الذي جمع عدداً من شعراء العالم، كان لي الحظ أن ألتقي بالشاعر الإيراني محمد علي سابانلو. أصدقاء مغاربة وتونسيون كانوا يتولون ترجمة الحديث ما بيننا. العلاقة التي جمعتني بالأدباء الإيرانيين كان لها مكانها الخاص في نفسي دوماً، في أميركا عام 2012 وفي فعاليات جامعة أيوا كنت والشاعر يعقوب ياد على صداقة قريبة، تبادلنا عناوين الأفلام والروايات، وتحدثنا عن الشعر والناس، وفي بداية 2015 تحدثت إليّ الدار التونسية مسكيلياني لأكتب تقديماً للقارئ العربي في ترجمتها لرواية الإيراني فريدون صاحبجم "المرجومة" وفعلت. لم ألتق بفريدون فقد مات حينها منذ سنين، لكنني أحببته كثيراً، وحين صدرت الرواية، في نسختها العربية، فرحت بها كما لو كانت لي. أردت أن أقول إننا والإيرانيون وكل الشعوب، وكما يحدث دوماً بكل زمانٍ ومكان، أكبر من أية أنظمة، بيننا المحبة والإخاء الإنساني العظيم، فيما الأنظمة بينها المصالح والعداوات ورجالات السياسة والدين.
محمد علي سابانلو (1940 – 2015) الحائز على جائزة ماكس جاكوب، وقصائده عبرت العديد من لغات العالم، توفي قبل أسبوعين، من هذا الشهر الكئيب؛ مايو، وخلال حياته اعتقلته السلطات الإيرانية مراراً، وأوقف عن الكتابة لسنين، ولا يمكن لأحد أن يتخيل أن شيئاً يجرؤ على إيذاء ذلك الرجل الوديع والهادئ، لا السلطة ولا المرض، لكنهما فعلاها. كتبت مريم حيدري عنه كيف كان محباً للعرب، كما هو حبه لبني الإنسان كافة، كفنانٍ وشاعرٍ كوني، متجاوزاً ضيق الأعراق والساسة، وقد رأيت هذا بنفسي في لوديف/فرنسا، قالت؛ "كان يتقصّد أن يحكي لي عن العرب، آداباً وفنوناً وأوطاناً، لأنه يعتبرني واحدة منهم. يتحدّث عن حبه لصوت أم كلثوم، وفريد الأطرش، وأسمهان، عن لطف العرب الذين التقاهم خلال رحلاته، وحكايات عن العصر العباسي. في تلك الليلة الغريبة، في الغرفة الصغيرة نصف المظلمة، وهو نصف مستلقٍ على السرير، مستعيداً بعض طاقته بفعل النبيذ الأحمر، غير آبه بالسعال، والأورام، والألم في رئتيه، وأنا جالسة على الأرض أمامه، برفقة صديق وصديقة، كان يروي لنا عن لقائه ببورخيس، والحديث الذي دار بينهما عن ألف ليلة وليلة". أما سابانلو نفسه فقد كتب يوماً؛ "لو كان الماضي رحلةً، تجتاز الحاضر، الذي نتذكر منه الانعكاس الكئيب على الزجاج، ولون مغيب الشمس، الذي يلوّن الشاي.. لأحببنا كثيراً أن نعيد تجديد مسكن الحب القديم. لو أن الوطن نظرة مدهوشة بسحر الطبيعة، لو أن الوطن لا يُطوّق في المخيلة إلا من بعيد ". رحمه الله.