تشرفت عام 2005 أن أكون ضمن مجموعة من كُتّاب انضموا إلى رؤساء التحرير للاجتماع بمساعد وزير الداخلية -حينذاك- الأمير محمد بن نايف في مقر وزارة الداخلية بالرياض.

ما إن بدأ اللقاء حتى اتضحت الصورة كاملة عن دور الإعلام في الإسهام بمكافحة الإرهاب الذي بدأ يضرب بلادنا.

اللافت، والله شهيد على ما أقول، أن الشفافية حاضرة بكل تجل، بل كانت هناك آراء منفعلة من قبل بعض الكتّاب تعنى بمطالبات واقتراحات، وكانت ردة فعل الأمير هادئة، المهم أن الأمن والتعاون للقضاء على الإرهاب كان الهم الأول، والسعي إلى رص الصفوف لمواجهته كان هدفا استراتيجيا لا تنازل عنه.

قد لا يكون الاجتماع الوحيد الذي قام به الأمير، لكن ظلت بلادنا تعاني من شر الإرهاب، وعليه حق لنا أن نسأل: أين الفجوة أو الخلل الذي يدلف منه هذا الإرهاب؟!

في البدء لن ندعي أننا وحدنا من يعاني من هذا الداء، لأن الإرهاب العنوان الأهم والأبرز في القاموس السياسي الدولي خلال العقدين الأخيرين كما هو عقدنا الجاري، وبعد ذلك فما نعلمه أن ملف الإرهاب كان بيد محمد بن نايف، وبشهادات عالمية أنه أقوى من واجهه. وعليه سأسال من جديد: إذا كان قد قام بمهامه وقد جند نفسه للقضاء عليه، فلماذا استمر هذا الخطر يهدد بلادنا؟ قد تكون الإجابة صعبة، لكن إذا فكرنا بعمق سنكتشف أن وزارة الداخلية لن تستطيع محاربة الإرهاب وحدها، لأن الأمر شأن مجتمعي عام. وهذا يعني أننا كمجتمع من الممكن أن نكون لم نقدم العون الكبير للأمير الشاب ووزارته، فهل نحن في التعليم والإعلام والمؤسسات الدينية والمجتمعية والرياضية والحكومية لم نقم بدورنا المطلوب بالتعاون والعمل على اقتلاع جذور الإرهاب وجعله قضية خاصة لكل فرد وهيئة.

لنبدأ بالتعليم، فما الذي عملته وزارة التعليم لمنع الإرهاب؟ وسأقول وبكل صراحة إن هذا القطاع  لم يلتزم بمهماته، فليس هناك ما يشير إلى أن التربية منفتحة على الآخر، وما زالت بعض الأمور بأيدي فئة ترى أنها هي من يملك الحقيقة، تملأ الرؤوس بما تريد، والوزراء المتعاقبون منشغلون عنها إما بالمباني أو حركة النقل أو البحث عن الظهور والأخبار المتواصلة. لم نقرأ عن منهجية تعليمية حقيقية قادرة على أن تغير الأفكار وترسم الصورة الجميلة للحياة والعالم.

لن أطيل، فالكل يدرك الحال التي عليها الوزارة، حتى لو بلغت أموال التطوير عشرات المليارات لكن الفكر لم يتغير والقيادة الفعلية داخل المدارس لم تتبدل.

وزارة التعليم لم تكن لتحتاج إلى تعليم بقدر ما احتاجت إلى تربية حقيقية، بمعلمين قادرين على أن يواكبوا الحدث، لا أن يسهموا في صنع قنابل متنقلة في مجتمعنا، لذا كان جديرا أن تكون مهمة الوزير ليس نقل التجربة اليابانية أو الألمانية بل إعادة بناء الشخصية السعودية، إعادة تأسيس المعلم والطالب والإداري وكل من له علاقة بالتعليم، وأن تكون حازمة بتنفيذ ذلك.

نقول لقادة هذا القطاع إن التعليم ليس مباني وتنقلات معلمين وزيارات متكررة، بل هو قضية كبرى، هو الشأن الأهم، ولأجله كان جديرا أن ندرك من هو المعلم والتربوي والمفكر والمؤسس المناسب الحقيقي الذي يستطيع قيادة هذه الأجيال لتكون معينا لبلادها في المقام الأول أمنا، ثم رقيا.