ومن ماله، تعالجت طفلة يتقاذفها الفقر والبراءة. كانت أمها تحلم لها أن تستطيع قياس المسافة مابين رأس القلم وبين الورقة البيضاء في دفتر الصف الأول الابتدائي. كانت نجلاء تسير بنظارتين سميكتين، وكان الأطباء يؤكدون أنها تفقد كل عام نسبة من _عيونها_ إذا لم يتدخل الجراح، ولأن – نجلاء- فاقدة لدفتر الهوية فلم تكن تستطيع أن تذهب للمشفى العام ولعيادة جراح العيون العمومي.

 شكراً للإنسان في أعماق ناصر الرشيد لأنه قد لايعلم اليوم، وهو على النهاية الأخرى من طرف هذه الأرض الواسعة، أن على طرفها الآخر عيون طفلة باتت تستطيع أن تقرأ بؤسنا وبخلنا دون خوف من مستقبل العيون، وشكراً له لأنه غسل بالدموع، عيون أم، أجهشت بالبكاء حين قال لها الطبيب: لم تعد نجلاء بحاجة إلى زيارة العيادة من اليوم.

ومن ماله، ينام –خمسة- اليتامى اليوم، كل على سرير، بعد أن تلحفوا بلاطة المستودع المهجور لخمس سنين، كانت أحلامهم مجرد لحمة حمراء لليلة في نهاية الشهر وكانوا يرسلون أكبرهم إلى صالات الأفراح وحتى سرادق العزاء ليعود بالفائض من موائد المقترين والمبذرين.

ومن ماله، ارتفعت أحلام اليتامى فلماذا يبدو مجرد سرير ترفا فوق سقف الكفاية طالما أن الذي يشتريه ناصر الرشيد: لماذا صار حراماً على العروس الفقيرة أن تشتري فستان زفافها بخمسة آلاف ريال إذا كان الذي دفع فاتورته ناصر الرشيد، ولماذا لم تستسلم لمشورة أمها بتوفير المبلغ كي نقتل فرحة فقيرة في ليلة زفاف كئيب؟  شكراً للإنسان في أعماق ناصر الرشيد فقد علمني مع هؤلاء وغيرهم فرحة اليتامى وزفاف المحرومين وعيون الأطفال الشاردة في سواد الأحزان وبياض القلوب. شكراً لأنه علمني أن أكبح جماح نفسي التي أفرطت في بخلها الفطري، قبل ناصر الرشيد. ليته يعلم أين ولماذا عنه الآن أكتب.