يفكر العقل المتطرف بآلية واحدة، لا تحتاج إلى كثير جهد لتثبت ذلك. الأمثلة العابرة للتاريخ من مختلف الثقافات، الديانات، الأفكار والمجتمعات تقول إن المتطرفين يتطابقون في كل شيء. وأن ألوانهم، وجذورهم، وجغرافيتهم، وتنوعهم وتمايزهم، لا تلغي حقيقتهم الأصيلة في تجربة الإنسان الطويلة مع التطرف سلوكا وتفكيرا وتنظيرا، يظن المتطرف أنه قادر على اختطاف المجتمعات وفرض ما يراه حقيقة مطلقة عبر وسائل قاتلة، لكن الحقيقة الأزلية أن الإنسان بطبيعته الاجتماعية وغريزته في حب الحياة أميل إلى التعايش والتآلف.
أعرف أنه كلام نظري، لكن من الضروري التشديد عليه في كل تحد يواجهنا، في كل منعطف وطني نمر به مجتمعا وشعبا، دولة ومؤسسات، أرضا وتاريخا وأناسا.
يظن المتطرف أن تمايزنا واختلافنا وتنوعنا الإنساني والثقافي والحياتي باب يمكن النفاذ منه إلى الصدام مع الجميع واقتناص لحظة تناقض واهمة في خياله المرضي.
اليوم نرى التوحد الكبير والاصطفاف الوطني خلف مكتسبات وطنية وإنسانية كبيرة، هذا الشعور العارم وطوفان الغضب الوطني أمر لا يمكن لعقل المتطرف استيعابه، يرى العالم من منظار الصراع والتصادم، يقرأ التاريخ من فصول التقاتل العدمي وصفحات الدماء المسالة، أفكار كالإعمار والتآلف والقبول لا يمكن له فهمها في خيار الموت الذي يحمله في عقله وقلبه.
لذا ومع كل حادثة عابرة نجتاز اختبارا لخيارنا الوطني الذي لا يستثني أحدا بنجاح، مع كل عمل إرهابي نكتشف أننا أقرب لبعضنا، مع انكشاف كل مخطط نوقن ويزداد إيماننا رسوخا بكل التفاصيل التي تشكلنا على هذه الأرض، لن يستطيع أحد اقتلاع ثوابت، الدين والوطن والأرض والقيادة. المحاولات التي تأتي في سياق عبثي تدرك أنها عبثية، ولكن لأنها موظفة توظيفا إجراميا تقف خلفه دول ومنظمات ومشاريع، فإنها تؤدي هذا الدور كمخلب قط وكعب أخيل إجرامي يرد عليه الناس والمجتمع والمؤسسات والقيادة في كل مرة أقوى وأشد. ولكن لأن عقل المتطرف لا يستوعب لأنه يفكر بآلية واحدة ثابتة فهو يكرر أخطاءه الدموية منذ فجر التاريخ وحتى اليوم.