الحرب الإقليمية المذهبية التي يعيش الشرق الأوسط بداياتها، كانت قد أعدت مسبقا ونفذت جزئيا، بدأ ذلك بإسقاط بعض السياسات العربية والزج بها في واقع سياسي جديد غير ملائم، وأولها في العراق عام 2003حيث فُرضت على شعوبها ثياب الديموقراطية الغربية في ظل أحوال غير مهيأة للتحديث ولا تحظى بالقابلية للتغير الجذري، وقد كان الهدف هو إضعافها حتى تعيش حالة من العشوائية وضعف الاستقرار، في ظل وجود بيئة خصبة من المتناقضات السياسية والثقافية والاقتصادية والتي أحدثت صراعات داخلية وإقليمية على مستويات نسبية متفاوتة، كان المكسب المهم لإثارة الفوضى فيها هو ضياع وحدة الهدف في الوطن الواحد.

على نحو آخر بدأت الحرب الخادعة بالوكالة فتتعدد أدواتها ولكنها لا تتغذى إلا على أرواح أبنائها، حيث لا تتورط فيها التنظيمات السياسية الخارجية بدليل واضح فيما يتعدى التخمينات والرؤى التي لا تكفي للإدانة، فيما لا يمكن أن تتخذ أي دولة موقفا عدائيا من القوى الداعمة لهذه الحرب، والنمطية المتوقعة أن جميع ما يحدث في الداخل تتحكم فيه أيد خارجية فِيمَا لا يجد من بالداخل القدرة على فهم النتائج أو السيطرة على الأحداث، وأعني أن الشرق الأوسط وضع في قالب التدمير الذاتي لنفسه، أي أنها حرب ضد العرب بيد العرب أنفسهم حتى لو تطلبت أعنف الأساليب وأبشعها دموية، وإلى جانب الثغرات الطائفية والعوامل الأخرى فقد تشكل تنظيم الكذبة العالمية "داعش" الأسرع نموا على الإطلاق، فلم تتحول داعش والتنظيمات التابعة لها من فكرة عبثية إلى قوة متحكمة في نشر الإرهاب من خلال الفارغين والمتشردين عن أوطانهم وحسب، إنما بدعم دولي اختصر عليها المدة الزمنية التي تحتاجها منطقياً في النشوء، ثم سمحت القوى الداعمة لها بالتغلغل في المنطقة كأداة شاذة تتقبل تحمل المسؤولية لأي جريمة بشعة كمساهمة في التدمير، وهذا يساعدها لتتضخم إعلاميا على مقدار حجم عنفها، وعندما يصبح العنف أسلوبا للحوار الرسمي فهذا سيسهل انقياد الدول المتضررة خلف تحالفات جديدة تعمل لصالح تشكيل هويّة جديدة في الشرق الأوسط.

المحاولة تأتي في إعادة التشكيل الثقافي والهندسة الاجتماعية في المنطقة العربية على أسس مطاطة تعطي ناتجا تفقد فيه الشعوب إرثها الحضاري وهوياتها الوطنية، بوجود عامل التبعية إزاء التخلف، وتصور العجز لقدرة المنطقة في إدارة نفسها، إضافة إلى تشويه الهوية الإسلامية من خلال إلصاق الإرهاب بِهَا على المشهد العالمي، وهذه تكلفة باهظة سيدفع العرب ثمنها دون أدنى شك.