يعكف اقتصاديون وقانونيون على تشخيص واقع المنظومة القضائية وتأثيرها في الاقتصاد الوطني، مؤكدين أن البيئة التشريعية السليمة ترسم إطار بيئة الأعمال، كما أن استقلال القضاء يعد عاملا محفزا على النمو الاقتصادي، في حين أن قوة النظام القضائي ومصداقيته تعكسان قوة أنظمة الدولة ومدى جاذبيتها الاستثمارية.

وبحسب الدراسة التي يقوم عليها هؤلاء الاقتصاديون والقانونيون، وهي دراسة تأتي ضمن دراسات منتدى الرياض الاقتصادي، فإنه من الأهمية بمكان الالتزام بمعايير الحوكمة في المنظومة القضائية، بما يضمن الأداء المؤسسي للقوانين وعدالة التطبيق.

وأتت هذه المعلومات على خلفية عقد المنتدى حلقة النقاش الثانية لدراسة "تطور المنظومة القضائية وعناصر القوة ومجالات التطوير والتحفيز، وأثره في الاقتصاد الوطني"، خلال الأيام الماضية، وذلك في إطار التحضير للدورة السابعة للمنتدى التي ستعقد خلال الفترة من 8 ـ 11 ديسمبر 2015، برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ـ حفظه الله ـ وتشارك فيه نخبة بارزة من الخبراء الاقتصاديين والمسؤولين الحكوميين ورجال وسيدات الأعمال.

وأوضح عضو مجلس أمناء المنتدى الدكتور خالد بن سليمان الراجحي في كلمة افتتح بها الحلقة أن الدراسة تسعى إلى تشخيص واقع المنظومة القضائية والبيئة العدلية بالمملكة، والتوصل إلى توصيات ومبادرات قابلة للتطبيق تستهدف تطوير المنظومة وسد الثغرات التي يمكن أن تؤثر سلبا في سير العدالة، وما يترتب على ذلك من آثار سلبية على الاقتصاد الوطني وجاذبية البيئة الاستثمارية بالمملكة، لافتا إلى أن المنتدى سيرفع في ختام أعماله توصياته ومبادراته في هذا المحور وبقية محاوره إلى المقام السامي لاتخاذ ما يراه مناسبا بشأنها.

وأدار الحلقة الدكتور أحمد العميرة رئيس الفريق المشرف على الدراسة، وأعطى المجال لرئيس الفريق المنوط به إعداد الدراسة بكر الهبوب لتقديم عرض مرئي اشتمل على شرح مختصر لأهمية الدراسة وأهدافها ومنهجية إعدادها، ومن ثم مراحل إعداد الدراسة الشاملة، موضحا أن الدراسة لا تزال في طور الإعداد وأنها لا تزال إطارا عاما فقط، لافتا إلى أنها تراعي كل الدراسات السابقة التي أجريت حول المنظومة القضائية بالمملكة، وما تمخضت عنه من توصيات ونتائج.

وتابع الهبوب أن الدراسة ستنظر في حصيلة دراسات وتجارب عالمية ومدى الاستفادة منها في الواقع السعودي، كما أن الفريق العلمي للدراسة يستقطب متخصصين قضائيين واقتصاديين محليين وعالميين في جميع المحاور التي تغطيها الدراسة، ومنهم على سبيل المثال خبيرة سابقة في البنك الدولي ومتخصصة في رصد المؤشرات الاقتصادية العالمية ومقارنتها بين الدول، وكذلك أستاذ بجامعة هارفارد الأميركية، كما سيدرس الفريق التجربة الأوروبية في أثر العدالة في الاقتصاد، وكذلك التجربة البرازيلية في الأثر الاقتصادي الناجم عن التباطؤ القضائي.

وأضاف أن الدراسة التي ينتظر الانتهاء منها قبل نوفمبر المقبل، تركز على ستة محاور تشمل الاهتمام بتطوير الهيكل القضائي، ودراسة واقع التشريعات القضائية والعوامل المرتبطة بها، ودراسة الكوادر البشرية وآلية تطويرها ودعمها، وتطوير البنية التحتية للقضاء، ومواكبة المحاكم السعودية لمعايير الحوكمة العالمية في مجال القضاء، وأخيرا دراسة وتقييم واقع الوسائل البديلة للقضاء لتطوير مرفق القضاء.

ولفت الهبوب إلى أن من أبرز ما لاحظته الدراسة الأولية توزع السلطة القضائية بين القضاءين العام والإداري وقضاء اللجان القضائية، رغم أن السلطة القضائية بالمملكة واحدة، كما أن اختصاصات المجلس الأعلى للقضاء تتقارب مع اختصاصات مجلس القضاء الإداري، وكذلك الحال بالنسبة لاختصاصات المحكمة العليا مع المحكمة الإدارية العليا، فضلا عن أن اختصاصات المحكمة التجارية مبعثرة بين المحاكم التجارية واللجان القضائية، ما يؤثر في البيئة الاقتصادية.

وفيما يتعلق بارتباط البيئة القضائية وأثرها في حركة الاقتصاد والاستثمار أكدت الدراسة أن البيئة التشريعية السليمة ترسم إطار بيئة الأعمال، كما أن استقلال القضاء يعد عاملا محفزا على النمو الاقتصادي. وأشارت الدراسة إلى أن قوة النظام القضائي ومصداقيته تعكسان قوة أنظمة الدولة ومدى جاذبيتها الاستثمارية.

كما لاحظت الدراسة أن تأخر تطبيق بعض التشريعات أسهم في بقاء حالة التباعد في النظام القضائي، وشددت على أهمية الالتزام بمعايير الحوكمة في المنظومة القضائية بما يضمن الأداء المؤسسي للقوانين وعدالة التطبيق، كما دعت إلى ضرورة تطبيق نظام للذمة المالية للمنظومة القضائية، ولاحظت الدراسة كذلك عدم تفعيل دور محاكم الاستئناف، ما يشكل عبئا على إنهاء قضايا التنفيذ.