يحتاج قرار الأمير خالد الفيصل بتعريب أسماء المحلات التجارية ولوحات الشوارع إلى أكثر من مجرد قصة تعريب. المسألة تحتاج إلى مشروع للتوطين وإلى إحلال الرمز والترميز الوطني ومن المؤسف أننا ما زلنا نستورد في بعض الأحيان من الأسماء للشوارع بالتحديد وكأن قاموسنا الوطني خال من الأسماء. خذ مثلاً أن أحد الأحياء الراقية بمدينة جدة يستنسخ بعض أسماء الأحياء القاهرية وبعضاً من شوارع قاهرة المعز، وأنا هنا في حل عن المزايدة على حبي لمصر ولأهلها وأنا أعترف لهم بالفضل والأخوة ولكن: هل يظن صاحب السعادة الذي أطلق اسم (المعادي) على شارع أنيق بحي الحمراء (الجداوي) أن بلدية القاهرة الكبرى ستكافئه بالمعاملة بالمثل لتطلق اسم (البوادي) على شارع مماثل في حي الزمالك؟ هل أنِف (بكسر النون) أنْف صاحب السعادة أن يطلق اسم (طبرجل) أو (الطوال) أو حتى (سراة عبيدة) على الشارع الصغير المتفرع من (معاوية) أم هو يعتقد ـ وهذا ما أظن ـ أن هذه الأسماء الوطنية ستكون نشازاً بجوار الأسماء المستوردة التي تدخل السرور إلى عيونه لسبب عجزت أن أفهمه.
ولو أن سمو أمير منطقة مكة المكرمة يمهلني مجرد ربع ساعة من الوقت لنزعت له لوحة شارع ـ جداوي ـ تسكن فيه أختي الكبرى وكلما مررت من هناك ينتابني الضحك لأن الاسم الشاذ الغريب لفظاً ونطقاً ولغة وأصلاً يستعصي على أي تفسير لاسم شارع رئيسي لا يعرف أحد في كل المدينة لصاحب الاسم تاريخاً إلا ربما من صاحب السعادة الذي اقترحه.
وفي بلد هائل بعشرين مليون مواطن واسم، وبعشرة آلاف مدينة وقرية وبثلاثين ألف (محدد) جغرافي يؤسفني أننا لا نزال نستورد الأسماء من تخوم آسيا ومجاهل أفريقيا لنطبع أسماءها على لوحات شوارعنا المختلفة. هذا مع العلم أن الإحصاء السكني يبرهن أن عُشر شوارعنا في كل المدن المختلفة هو من يحمل اللوحات بالأسماء فماذا سنفعل إذا ما قررنا تسمية التسعة أعشار الباقية. وبالطبع، أنا واثق أن مسقط رأسي في محافظتي بسراة عبيدة لن يكون لوحة على الإطلاق في شارع عربي تماماً مثلما أنا واثق أنني لن أجد الاسم نفسه على مدخل شارع سعودي.