أكد مندوب اليمن الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير خالد حسين اليماني، أن بلاده ماضية في طريقها لاستعادة الشرعية، ولن تتنازل عن مخرجات مؤتمر الرياض، بأي حال من الأحوال، مشيراً إلى أنها خارطة الطريق للمستقبل اليمني.
وقال اليماني في حوار أجرته معه "الوطن" إن المبعوث الأممي السابق إلى اليمن جمال بنعمر بدأ مهمته بشكل جيد، إلا أن تطور الأحداث السلبي أفقده بوصلته، وبدأ يتعامل مع الانقلاب على أنه واقع محتوم، وأراد أن يفرضه على اليمنيين، "ويؤسس حكومة حزب الله على الأراضي اليمنية"، حسب قوله، إلا أن الشعب رفض اجتماعاته في الغرف المغلقة، وكشف فشله، ما جعل أمر تغييره حتمياً، مؤملا أن ينجح خليفته ولد أحمد في الوقوف مع الحكومة الشرعية في أي قرار يريد تنفيذه، وإلى تفاصيل الحوار:
أعلنتم في وقت سابق أن الحوار مع الحوثيين غير ممكن، ما الذي أقنعكم بالموافقة على الذهاب إلى جنيف؟
لا يمكن القول إن الحكومة اليمنية ضد الحوار، فهي في واقع الحال حكومة قامت على أساس الحوار، الذي تبلور في صيغة المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، لنقل اليمن عبر مسارات التغيير السلمي من نظام المخلوع صالح إلى نظام تشاركي توافقي، يجمع كل شرائح وأطياف المجتمع، ومن هنا جاء الحوار الوطني الشامل، الذي شكلت مخرجاته خارطة طريق لبناء دولة اتحادية ديموقراطية، وكان الحوثيون في البداية طرفا في الحوار مع بقية الفصائل السياسية، إلا أن التقية السياسية التي تربى عليها أتباع الحوثي، والتي رسخت فكرة التبعية لولاية الفقيه الغريبة عن الثقافة اليمنية، والدخيلة على النسيج الاجتماعي، أبت إلا أن يتحرك أتباع هذا الفكر الضال في اتجاه يستخدم الحوار وسيلة للانقضاض على الدولة واختطافها، وبناء دولتهم ذات الأبعاد الطائفية المقيتة، التي رفضتها الثورة اليمنية، واعتبرتها جزءا من الماضي الذي ولى إلى الأبد.
أما ما يتصل بالذهاب إلى جنيف، فنحن في الحكومة اليمنية، وبعد أن قمنا بصياغة ميثاق شرف للقوى الوطنية الموالية للشرعية الدستورية في مؤتمر الرياض، ووضعنا خارطة طريق لمستقبل اليمن، الذي رسمناه في الحوار الوطني، فنحن جاهزون ككتلة وطنية موحدة ومدعومة من دول مجلس التعاون الخليجي، وفي مقدمتها المملكة، للذهاب إلى أي حوار يجهض المشروع الانقلابي، ويعيد الشرعية ويحرر شعبنا من يد هذه العصابة المارقة عبر تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2216.
ما هو أبرز ما ستشترطه الحكومة اليمنية في اجتماع جنيف؟ وهل تتوقعون نجاحه؟
لا شروط لدى الحكومة اليمنية، ولكن نتمسك بمرجعيات ارتضاها الجميع، خلال كل مراحل الحوار وتضمنتها دعوة أمين عام الأمم المتحدة، لعقد مشاورات في جنيف، وتتلخص في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني، وقرارات مجلس الأمن، وعلى رأسها القرار 2216، ولن تنطلي محاولات الحوثيين والمخلوع صالح اليائسة، للاستقواء بإيران أو غيرها.
أما ما يتعلق بتوقعاتنا لنجاح جنيف، فإن طريق النجاح يمر عبر القرار 2216، الذي يشكل خارطة طريق لعودة الانقلابيين عن غيهم، وانسحاب الميليشيات الحوثية وأنصار المخلوع من المناطق التي احتلوها، وأن يسلموها للسلطة الشرعية، ويعيدوا الأسلحة التي نهبوها إلى المؤسسات الشرعية، وإطلاق سراح المعتقلين، والتوقف عن ممارسة دور السلطات الشرعية، واختطافهم للدولة لن يمر من غير حساب.
وفي حال رفض الانقلابيون طريق السلام والحوار، فإن الطريق للتخلص من هذا الكابوس الذي جثم على صدر شعبنا اليمني الصامد، سيكون عبر تنظيم المقاومة لطردهم من كل المناطق التي احتلوها، واجتثاتهم من الأرض اليمنية، بدعم وإسناد من أشقائنا في التحالف، وسيقف المجتمع الدولي معنا بعد أن يتحقق من أن الحوثيين لا يمتلكون غير مشروع القتل والتدمير والخراب، وهم الوجه الآخر للإرهاب الذي تمثله القاعدة وداعش.
عقدت عدة اجتماعات أميركية حوثية في مسقط، ما هو دور الحكومة في هذه الاجتماعات؟ أم أنكم لستم معنيين بها؟
لا علاقة للحكومة اليمنية بما جرى هنا وهناك، فنحن معنيون فقط بمساعي دول مجلس التعاون، ومساعي الأمم المتحدة، لأن هذا هو الإطار الراعي لعملية الانتقال السياسي السلمية في اليمن. ولكن من الواضح أن القوى الانقلابية تحاول يائسة استثمار معاناة شعبنا وتضحياته لمصلحة مشروعها الطائفي.
هل تلقيتم بوادر حسن نية من الحوثيين شجعتكم على قبول الجلوس على طاولة حوار أممية؟
نحن الآن بصدد التحقق من هذا الموضوع من خلال مساعي مبعوث الأمين العام لليمن، الذي يحاول إقناع الانقلابيين بأن طريق الحل واضح، ونحن ننتظر لمعرفة هل تيقن الانقلابيون أن مشروع دولة حزب الله في اليمن ترفضه كل الشرائح الاجتماعية، وأن محاولاتهم لتدمير النسيج الاجتماعي والتحريض على دول الجوار وزرع ثقافة الفتنة لن تمر، لوعي أبناء اليمن في كل المناطق بأنا جزء أصيل من جزيرة العرب، وسنبقى أوفياء للجوار والإخاء والمودة وصلة الرحم. وستظهر الأيام المقبلة إذا كان من الممكن أن يتوقف حمام الدم الذي أطلقه الانقلاب الغاشم.
كان اشتراط اليمنيين لقبول مؤتمر جنيف هو تنفيذ قرارات مؤتمر الرياض، فهل تحقق شيء من ذلك؟ أم تنازلتم عن هذا الشرط؟
لم ولن نتنازل عن مخرجات مؤتمر الرياض، التي تمخض عنها بروز كتلة وطنية كبيرة من أجل اليمن الاتحادي الجديد، وحينما نذهب إلى جنيف نحمل معنا مقررات الرياض التي صارت اليوم ضمن الوثائق المرجعية في الأمم المتحدة، وجزءاً من خارطة الطريق لحل الأزمة، والمشروع الانقلابي انهار يوم عقد مؤتمر الرياض، حيث اتضحت معالم اليمن الجديد الذي سيكون جزءا من كيان مجلس التعاون الخليجي وضمن الترتيبات الأمنية الإقليمية.
ما صحة ما يتردد عن ضغوط أممية مورست عليكم للمشاركة في جنيف دون شروط مسبقة؟
لا صحة لذلك، ولم نتعرض لأي ضغوط، من أي نوع للذهاب إلى جنيف، ونحن من نرسم الأجندة الوطنية، التي على رأس جدولها مؤتمر الرياض، الذي وضع النقاط على الحروف نحو التحرك القادم، كما ذهبنا مع أشقائنا في دول الخليج وأصدقائنا في العالم لصياغة رأي الإجماع الدولي في قرار مجلس الأمن رقم 2216، وسنذهب إلى جنيف لهزيمة المشروع الانقلابي.
يرى البعض أن الهدف من مؤتمر جنيف هو إفشال مؤتمر الرياض؟
لا أتفق مع هذا الطرح.
ما هي أبرز ما توصل له المبعوث الأممي ولد الشيخ أحمد مع الحوثيين؟
أجرى ولد الشيخ جولتين من المشاورات، حملتاه إلى الرياض وصنعاء وبقية عواصم دول مجلس التعاون، وتمكن بالتنسيق مع الحكومة اليمنية من صياغة الهدف من مشاورات جنيف، باعتبارها خطوة نحو تنفيذ القرار 2216، واستيفاء الخطوات المتبقية من خارطة الطريق، وصولا إلى الانتخابات الاتحادية وانتخابات الأقاليم.
كيف تقيمون تجربة المبعوث السابق جمال بنعمر في اليمن؟ وما هي أبرز سلبياتها؟ وهل صحيح أنه كان يشرعن للانقلاب الحوثي؟
بذل جمال بنعمر منذ توليه لمهمته في منتصف عام 2011 جهودا كبيرة، فقد توصل مع كل القوى إلى إقناع المخلوع صالح بأن دوره قد انتهى، وأن طريق التغيير سنة من سنن الحياة، وبعد تولي الرئيس عبدربه منصور هادي قيادة عملية الانتقال السياسي السلمية، عمل بنعمر وبتنسيق جيد مع مؤسسة الرئاسة والحكومة اليمنية، واستطاع تيسير جمع كل فصائل العمل السياسي في اليمن من مختلف المشارب حول طاولة الحوار الوطني، الذي حقق نتائج إيجابية شهد لها العالم، حيث تمكن اليمنيون خلال قرابة عام من الحوار والاتفاق والاختلاف من اختيار شكل نظام الحكم الاتحادي كأفضل الأشكال التي تتناسب مع واقع وتعقيدات المجتمع اليمني.
إلا أن تدهور الأوضاع الذي شهدته الساحة السياسية، وصولا إلى شهر سبتمبر من العام الماضي أربك المشهد السياسي، وأفقد بنعمر بوصلته فعمل في البداية على المساومة لمصلحة القوى الحوثية، وأقنع الجميع بتوقيع اتفاقية السلم والشراكة والتي ترافقت مع غطرسة الحوثيين وضربهم عرض الحائط بكل المسلمات الوطنية والدستورية والانقضاض على الشرعية الدستورية. ومن حينها برز كثير من مؤشرات الخروج عن التفويض الذي منحه مجلس الأمن والذي يفترض أن يكون دليله للعمل في اليمن وبدأ يعمل لمصلحة شرعنة الانقلاب الحوثي.
إلى ماذا تعزون التغير في سياسات بنعمر؟
ربما يكون قد تولد لديه انطباع بأن الانقلاب الحوثي بات واقعا من وقائع الحياة اليمنية، وأنه لن يغير في ذلك الواقع أي شيء، وما عليه إلا أن يتعايش معه ويمضي في إنجاز مهمته، وسيبدو الأمر بالنسبة للعالم وكأنه نجح في نقل اليمن من واقع كان يقوده الرئيس المخلوع إلى واقع جديد يقوده الحوثي.
وعندما تحرر هادي من الإقامة الجبرية، وانتقل إلى عدن، واصل بنعمر وبخطى حثيثة مساعيه لشرعنة وتأصيل الانقلاب، فعمل في الغرف المغلقة على مساومة الأحزاب السياسية، وتعاطى مع مقترحات لإيجاد مؤسسة رئاسية بديلة، تحل محل الرئيس الشرعي، وعندما طلبت منه القوى السياسية التوقف عما كان يسعى فيه ونقل المفاوضات إلى الرياض أو الدوحة، كان يسرع في مساعيه المشتركة مع القوى الانقلابية، التي حاولت بكل ما في وسعها إجبار الأحزاب السياسية على قبول العمل معها، وفق نموذج حزب الله، الأمر الذي قوبل بمعارضة شديدة من القوى الحزبية الفاعلة في الساحة اليمنية.
كيف كانت ردة فعل بنعمر بعد ذلك؟
بقي يراقب سلوك الميليشيات الحوثية وهي تهاجم عدن ومقر رئيس الجمهورية، في محاولة يائسة لوأد مشروع الشعب اليمني العظيم الذي خرج لتحقيقه في فبراير 2011، ومع الأسف فقد ظل يكذب في كل مكان، بعد أن اتضح للجميع في مجلس الأمن أن بنعمر تحول إلى جزء من المشكلة في اليمن. وقال أمام مجلس الأمن وفي آخر إحاطة له بأنه كان قاب قوسين من التوصل إلى حل توافقي بين الأطراف اليمنية، وبدا أن الرجل كان يعيش أحلام اليقظة لتحقيق انتصارات في مخيلته، بعيدا عن الواقع اليمني.
هل ترون في المبعوث ولد أحمد أملا لحل الأزمة أم سيفشل كما فشل سابقه؟
مازالت مهمة ولد الشيخ في بداياتها، ولا يجوز الحكم عليها، ولكنني أعتقد أنه من واقع تجربته في اليمن، ومعرفته بكم الأخطاء التي وقع فيها سلفه، ولإدراكه أن ادعاءاته بتحقيق إنجازات تضع مزيدا من الضغوط في طريق مهمته. وأستطيع القول إن مهمة التيسير لجهود الفرقاء ينبغي أن تنطلق من مرجعيات الأمم المتحدة، التي عبرت عنها قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وإن الشفافية والوضوح والصدق ينبغي أن تكون الدليل الميسر لجهوده الصادقة بين الأطراف وليس المؤامرات والمساومات في الغرف المغلقة، وهذا ما صرح به السيد ولد الشيخ خلال بداية اتصالاته مع الأطراف المختلفة. وأعتقد أن التنسيق والتشاور الدائم مع رئيس الجمهورية والحكومة اليمنية هو وحده الكفيل بإنجاح مهمة المبعوث الخاص للأمين العام، باعتبار أن رئيس الجمهورية هو المسؤول عن عملية الانتقال السياسي السلمية في اليمن.