لم أستسغ على المستوى الشخصي الذاتي أن أكتب عن (القديح)، لأنه من العيب أمام النفس أن يستجر الكاتب ما سطره قبل سبعة أشهر تقريبا عن (الدالوه)، ليعيد ترتيبه في بعض التفاصيل هنا وهناك ويرسله للنشر، ولهذا فسألتزم بنقاط محددة وواضحة ومباشرة قدر الإمكان.

 أولا: لا يوجد ما نقوله لأهل القطيف، فقد قال توفيق السيف في كلمة عزائه، كل ما نريد قوله كسعوديين، والمزايدة بمرادفات المواساة على أبناء القطيف وأهل الشهداء لا محل لها في رواق العزاء، خصوصا أن الحادثة هي الثانية، فلم يعد هناك ما يكتبه الكاتب أو يقوله القائل، بقدر ما ننتظر جميعا سن القوانين ضد نشر الكراهية بكل أنواعها (طائفية عرقية جهوية.. إلخ) كفعل طال انتظاره، وبذور هذه القوانين في النظام الأساسي للحكم، وملامحها بزغت في خطاب الملك لولي عهده، توجيها صارما لصيانة الدماء، وعزاء للأحياء، ودعاء للشهداء بالرحمة.

 ثانيا: المملكة العربية السعودية كدولة ستبقى بأركانها الثلاثة قيادة وشعبا وأرضا، سعودية سعودية سعودية نكررها حبا وولاء، وإحراج الحكومة باختطاف التعبئة الشعبية عبر تحويل حربها في اليمن كحرب طائفية، أسلوب لا يقره السياسي لارتداداته الداخلية، فكيف يرتجله المرجفون، فالممثل الوحيد لنا في السياسة الخارجية هي وزارة الخارجية، وما زلنا نرى سفارة خادم الحرمين الشريفين مفتوحة في إيران، وسفارة الجمهورية الإيرانية مفتوحة في الرياض، فمن هو الذي يريد خلخلة القرار السيادي عبر ترتيب الأولويات في الحرب المعلنة والباردة على مزاجه الطائفي، ليتوهم أن حربنا ضد إرهاب داعش والقاعدة آخر اهتماماتنا، متناسيا أن (خلخلة القرار السيادي) عبر التساهل في توجيه الدهماء، هو رغبة سوداء في (خلخلة السيادة) على مراحل، وسيقف دون ذلك المخلصون العقلاء، لا (المهايطين)، ومشكلة الجارة إيران، قد صار ما هو أشد منها وأنكى مع مصر الستينات، ولا يوجد سياسي بعيد النظر يحرق سفنه ويقطع خيوط اللعبة السياسية من يديه عبر الكر والفر، أما الطائفيون فيريدون إحراج السياسي وحشره في زاوية الحرب العقائدية التي لا رجعة عنها إلا بفناء الخصم، والتي تجاوزها العالم منذ قرون العصور المظلمة، ولا يدعمها العالم المتحضر، وحربنا مع داعش وأشباهها أنها لا تريد أن ترى العالم إلا من ثقب العصور الوسطى الذي ينظر منه الطائفيون أيضا في الداخل.

 ثالثا: مكة والمدينة، أكرر.. مكة المكرمة والمدينة المنورة، نحن رعاتهما وزعيم أمتنا خادمهما، وضيوفهما من كل المذاهب الإسلامية في كل بقاع الأرض من روسيا شرقا وحتى أميركا غربا، ومن يريد جر الخطاب الطائفي وتوسيعه فهو جاهل بشرف عظيم أعطانا الله إياه، إذ جعلنا استثناء كقبلة مكانية لمليار مسلم، وطموحنا في الكمال لا ينتهي لنكون مرجعا دينيا لكل المذاهب الإسلامية بتوسيع دائرة (هيئة كبار العلماء) فتشمل جميع المذاهب التي اعتمدتها وأقرتها رابطة العالم الإسلامي، التي رعاها الملك فيصل كزعيم إسلامي استثنائي، عبر استحقاق مكاني بوجود الحرمين، وسنستحقها زمانيا، إن كنا بحجم الآمال، التي يرجوها مليار مسلم بتعدد مذاهبهم، يأتينا القادر منهم من كل فج عميق، حاجا ومعتمرا ومتعبدا بالزيارة لهذه الأرض التي نحن أبناؤها وأسيادها منذ آلاف السنين.

 رابعا: لماذا لا يلتزم المتنطعون بحكمة الصمت بدلا من محاولة التصيد في الماء العكر لصناعة أمجاد شخصية ضيقة عبر تحريف التوجيه المعنوي في (قرار عاصفة الحزم) إلى توجهات تخصهم وتخص أتباعهم العميان، ولا علاقة لها بما يناضل من أجله أبناؤنا السعوديون في مبنى الأمم المتحدة، في صراع التحالفات وتبادل المعلومات وصناعة التوافقات وهرولة المفاوضات، هناك في تلك القاعات الدولية نحاول ارتقاء السلم نحو مراتب عليا تعطينا الاحترام الراقي اللائق بنا بين الأمم، وما زال هؤلاء المأزومون في الداخل يركلون عجلة التنمية الإنسانية الحضارية، فإن داست عجلة التنمية أقدامهم ملؤوا الدنيا جعجعة برفع المصاحف، وإن تجنبتهم طاردوها بالعصي.

 خامسا: زرت القطيف فردا ثم برفقة زوجتي وأطفالي، عرفت أهلها، حضرت عقيقة أحد أبنائهم في إحدى الحسينيات، ضحكت على أوهام الطائفيين وأنا أرى مصحف خادم الحرمين الشريفين على رفوفها، استمعت لحكاياتهم، أفراحهم، بعض أحزانهم وهمومهم، كانوا في التنمية يحملون نفس رغبات أهل حائل وجازان، كانوا في الهم السياسي يحملون نفس الرغبات والآمال التي يطرحها رجالات مثلهم في مكة وجدة، نفس الطموحات الوطنية والآمال التي تجدها في الحجاز وعسير ونجد، نفس الروح الصادقة، لم أجد فرقا سوى في اللهجات، ولثغة المكان، كلوحة فنية في علم الألسنيات، كنت أطوف عبر سنين عمري بروح النحلة النشيطة من المنطقة الغربية إلى المنطقة الشرقية، ولهذا فليعذرني أصحاب العنصرية (الطائفية والمناطقية والقبلية) إذ لم أجد في تطوافي ما يبحث عنه الذباب.