عاني المجتمع السعودي من خطر الإرهاب الذي تم بشكل ممنهج منذ تفجير القاعدة لمجمع المحيا السكني في الرياض في 13 مايو 2003. اليوم يكون قد مرّ على هذه الحادثة 12 عاما وما زالت أيادي الغدر والشر تدور في فلك القتل والفتنة والتدمير، بل إن الأمر ازداد تعقيدا مع وجود تكتلات إرهابية هي الأكثر تطرفا وتنظيما بعد الخيبة الكبرى التي أُسقطت فيها بغداد بفعل التدخل العسكري (الأنجلوأميركي) ونشوء رياح الطائفية الدينية/ السياسية بين الشيعة والسنة، التي تطورت بعد "الربيع العربي" اللاهب! الذي عصف بالمناطق العربية.

الإرهاب هو نتيجة للتطرف الديني، وكل ما يفعله المتطرفون للوصول إلى غاياتهم السياسية هو التدثر بالدين من خلال خلط الدين بالسياسة، إذ إن التشدد الديني هو الحضن الفكري للإرهاب.

وكم هو مؤلم أن يتطور الفعل الإرهابي إلى قتل كل الآمنين نتيجة اختلافهم، ليس اختلافهم المذهبي أو الطائفي، بل الاختلاف مع الإرهاب بشكل عام، فإن لم تكن مع فكر الإرهاب فأنت ضده، وهنا يكون الإرهاب وجهة واحدة عنوانها القتل والدمار وثقافة التوحش!

يوم الجمعة الماضي فجع المجتمع السعودي بحادثة مسجد علي بن أبي طالب في قرية القديح بمحافظة القطيف، حين فجّر أحد الإرهابيين نفسه داخل صفوف المصلين المتعبدين، فقتل عددا من المصلين وأصاب عددا كبيرا، وهكذا تبدو لنا مؤشرات الفتنة والتحريض الطائفي من أطراف متعددة، فالتطرف السني- ممثلاً بالإرهاب الداعشي- يعتقد المنتمون له أن الطرف المسلم الآخر الممثل بالشيعة هم كفرة فجرة! ويصفونهم بـ"الرافضة" ولا يعتبرونهم مواطنين أو حتى بشر يحق لهم العيش على هذه البسيطة، وفي المقابل يعتبر التطرف الشيعي السنة "نواصب" ناصبوا العداء لآل البيت قبل أن يناصبوهم العداء، ويعتبرون قتالهم وقتلهم واجبا وفق فكر التطرف الشيعي، بل إن أحد رجال الدين الشيعة طالب بحشد شعبي للحماية، وهذا مؤشر خطير يراد به مصادرة مؤسسات الدولة والمجتمع لأجل مصالح سياسية وأيديولوجية.

من المهم هنا إدراك أن المجتمع يعتبر موردا مهما لأيديولوجيا التطرف، وأول من يمكن أن يُضحى به هو المجتمع إذا ما وجدت مبررات الصراع الطائفي، فمنظرو الإرهاب يعتمدون على تأويل النصوص الدينية وتقديمها كـ"حقيقة" ثابتة وفق منظور معين، من أجل تحقيق غاياتهم السياسية، ولو أدى ذلك إلى أشكال متعددة من القتل والخراب والدمار للوطن والمواطن؛ وهنا تبدو المواجهة حقيقية ومؤثرة، خاصة في ظل اختراق المجتمع ثقافيا من قبل "مشيخة" التطرف، حيث إن الشحن الطائفي يبدأ ببث الكراهية في الفضاء الاجتماعي العام دون تمييز، فيحدث الحكم المسبق وفقا للهوية، وهذا الأمر هو ذاته ما يشاهد اليوم في بؤر الصراع ومنها العراق وسورية وغيرهما.

إن الفكر الديني المتطرف يكرس قيم الكراهية والتحريض من خلال خديعة المجتمع، التي تصل أحيانا لتماهي (بعض النخب) مع خطاب التكفير والضلال، حين يتحدث طرف ما عن المحبة والسلام ولكن خارج سياق الأمن الوطني والاجتماعي، وكأن مقتل مواطن مدني أو عسكري نتيجة عمل إرهابي هو غير مهم لأنه ينتمى للطائفة الأخرى!

نحن أمام معضلة حقيقية اليوم، فلا أسوأ من الفعل الإرهابي نفسه سوى أولئك الذين يبحثون عن مبررات للقتلة والمجرمين وقاطعي الطريق على الوطن! أظن أن لدينا الكثير من المشتركات الثقافية والإنسانية التي يمكننا التشارك بها مع الآخر البعيد، إلا أنه حين يتعلق الأمر بالآخر القريب، يلتزم الطائفيون الكراهية! وكل ما في الأمر أن ليس هنالك إيمان بالحرية كخيار، الحرية في المعتقد، الحرية في الاختلاف، الحرية في التصرف وفقا للخيارات الذاتية في الحياة اليومية وفق الالتزام بالقانون والثقافة العامة، وهذا ما خلق خوفا من الحرية كرسه الخطاب الديني المتطرف الموجه (أيديولوجيا) في الفضاء العام، كي تعم الفتنة ويفوز الخطاب الديني الأكثر تطرفا بالتربع على كل مفاصل المجتمع الدينية والاقتصادية والسياسية، وبالتالي قد يخسر الإنسان إنسانيته ورصيدا وافرا من قيم التعايش والسلم المتوارثة ثقافيا.