هناك دينامية جديدة في النظرة إلى الأزمة الفلسطينية-الإسرائيلية بعد زيارة قام بها الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى روما الأسبوع الماضي، حيث أجرى لقاء خاصا مع البابا فرانسيس الأول، وحضر حفل إحياء ذكرى راهبتين فلسطينيتين لقيتا حتفهما خلال فترة خدمتهما في فلسطين تحت الحُكم العثماني في القرن الـ19.

وقبل أسبوع، وقَّعت الفاتيكان معاهدة رسمية تعترف فيها بدولة فلسطين. والمعروف أن الفاتيكان دولة ذات سيادة ومقر للكنيسة الرومانية الكاثوليكية التي تضم 1.3 مليار عضو. وفي إسرائيل نددت حكومة بنيامين نتانياهو الفاشية بتلك المعاهدة وقللت من شأنها. لكن لا توجد وسيلة تمكِّن نتانياهو من أن يمحو إعلان قوة رمزية مثل الفاتيكان بالاعتراف بفلسطين دولة ذات سيادة.

في 16 مايو الجاري، كتب الصحفي ياكوبو سكاراموتسي بصحيفة "لاستامبا" الإيطالية، يقول كما هو التقليد المتَّبع مع رؤساء الدول أو الحكومات، قدّّم البابا فرانسيس هدية للزعيم الفلسطيني محمود عباس، مُعلقاً "لعل ملك السلام يدمِّر روح الحرب الشريرة. إنني أفكر بك: قد تكون ملكا للسلام".

ومن ناحية أخرى سبق أن صرحت وزيرة العدل الإسرائيلية، إيليت شاكيد، من موقعها في فيسبوك، بأن الشعب الفلسطيني بأكمله عدو، ويشمل ذلك المسنين والنساء، المدن والقرى، والممتلكات، والبنية التحتية".

ولعرض الحقيقة بشكل واضح، فإن المعركة بين الطرفين تتمثل في أن الطرف الأول يمكن وصفه بـ"ملائكة السلام" – وهُم أولئك الذين يسعون إلى إيجاد نهاية سلمية لاحتلال فلسطين، ولكنهم يواجهون الطرف الثاني الذي يمكن وصفه بـ"ملائكة الموت"، وهم يمثلون حكومة نتانياهو التي تسببت في مقتل الآلاف من النساء الفلسطينيات والأطفال في غزة على مدى السنوات الخمس الماضية. ومن بين أعضاء حكومة نتانياهو المدمرة، عضو الكنيست إيليت شاكيد المنتمية إلى حزب "البيت اليهودي" العنصري ووزيرة للعدل من دون الحصول على شهادة في القانون.

ومع أن ائتلاف نتانياهو ضعيف سياسيا، إلا أنه قد يكون قويا عسكريا. ومن أسباب الضعف السياسي، أن نتانياهو فقد الدعم من جميع أنحاء العالم بسبب إعلانه، قبل الانتخابات الإسرائيلية بشهرين، أنه لن يسمح بقيام دولة فلسطينية في أرض إسرائيل الكبرى. وخلال هذا الأسبوع، قال نتانياهو إن المهمة الرئيسة لحكومته هي حماية إسرائيل من "الأعداء". ووفقا لشاكيد، فإن جميع الفلسطينيين "أعداء". علما بأنه في الأعوام 2009 و2012 و2014، قتلت الطائرات والدبابات الإسرائيلية نحو 10 آلاف فلسطيني في غزة.. وربما نرى المزيد في المستقبل.

إذاً ما هي حكومة نتانياهو! لقد بذل نتنياهو جهودا تكاد تكون مستحيلة النجاح في تشكيل حكومته الائتلافية، فإنه كان يحتاج إلى 61 نائبا، حصل عليها بعناء في السادس من مايو الجاري، أي بعد 42 يوما من الانتخابات، وقبل بضع ساعات من الموعد المحدد لإعلان تشكيل الحكومة.

الأمر المهم هنا، أن نتانياهو لم يكن قادرا على تشكيل حكومة ائتلافية، إلا بموافقة من حزب "البيت اليهودي" اليميني برئاسة نفتالي بينيت. وهناك 30 مقعدا حصل عليها حزب الليكود الذي ورد في ميثاقه أنه لن تكون هناك أبدا دولة فلسطينية على الأراضي الواقعة بين البحر المتوسط ونهر الأردن. وثانيا، هناك من الأحزاب الدينية اليهودية – شاس والتوراة اليهودي المتحد – ولديهما 13 مقعدا، وهما يشددان على أن إسرائيل دولة يهودية تتبع لليهود. وثالثا، هناك تيار الوسط، حزب كولانو المنشق عن حزب الليكود الذي تأسس من قِبل خصم نتنياهو، موشيه كاهلون. وأخيرا، فإن الحزب الأخير الذي انضم إلى الائتلاف هو حزب البيت اليهودي، بزعامة نفتالي بينيت الذي يوصف بأنه بطل المستوطنين الصهاينة. وهو الحزب الذي زوَّد حكومة نتانياهو بوزيرة العدل العنصرية إيليت شاكيد، علما بأن الحزب قد حصل على ثلاثة مناصب وزارية: الزراعة "حيث يمكن للوزير الضغط على الفلسطينيين في أمور تتعلق بتوفير المياه"، ووزارتي التعليم، والعدل. وتُعد وزارة العدل الأقوى عندما يتعلق الأمر بقضايا الأمن، وستكون شاكيد الوجه الجديد لوضع الاحتلال موضع التنفيذ والواقع.

وقال موقع موندوويس الإلكتروني الأميركي متحدثا عن شاكيد "خلال الهجوم الإسرائيلي في صيف 2014 على غزة، دعت شاكيد من خلال موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" إلى إبادة الفلسطينيين. وفي 1 يوليو– قبل يوم واحد من اختطاف الفتى الفلسطيني محمد أبوخضير وحرقه- شددت شاكيد على أن "الشعب الفلسطيني كله عدو"، ودعت إلى تدميره، "بمن في ذلك المسنون والنساء والمدن والقرى والممتلكات والبنية التحتية".

وما قالته شاكيد مأخوذ من مقتطفات من مقال بقلم الصحفي الراحل يوري إيليتزور اليميني وزعيم حركة الاستيطان الإسرائيلية التي تسعى إلى استعمار الأراضي الفلسطينية، مخالفة للقانون الدولي. ولقد كان إيليتزور كاتبا لخطابات نتانياهو ومستشارا له.

وفي حين أن وسائل الإعلام العالمية تركِّز على كلمات شاكيد المشحونة بالكراهية، فهناك من ينسى مؤسس الحزب نفسه، نفتالي بينيت، الذي يُعد وضعه في الحكومة تضمينا لحركة اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين الذي كان المفاوض والموقِّع على اتفاقات أوسلو مع مؤسس منظمة التحرير الفلسطينية ورئيس مجلس إدارتها ياسر عرفات. وبسبب اتفاق رابين مع عرفات ومصافحتهما الشهيرة في حديقة البيت الأبيض في سبتمبر 1993، قُتل رابين على يد مستوطن يهودي يدعى يغئال عمير في نوفمبر 1995.

ويستند اعتلاء بينيت إلى السُلطة على دوره كبطل للتوسع الاستيطاني، حيث كان الرئيس التنفيذي لمجلس المستوطنين في عام 2009، وكرَّس نفسه لإنهاء تجميد موقت للمستوطنات أشرف عليه السيناتور السابق جورج ميتشل، الذي عيَّنه أوباما أول مبعوث للشرق الأوسط. ونجح بينيت في عرقلة كل تجميد آخر للتوسع الاستيطاني.

كان مجلس يشع أحد المنظمين الرئيسيين لحملة الكراهية ضد إسحاق رابين للتفاوض مع الفلسطينيين. وفي تظاهرة يشع، قبل بضعة أسابيع من قتل رابين، حمل المتظاهرون لافتات تظهر رابين في زي نازي وتتهمه هو والرئيس شمعون بيريز بـ"الخيانة" وغير ذلك. وكان نتانياهو يشاهد مشجعا تلك التظاهرات من شرفة منزله. وأقيمت تلك التظاهرات قبل أسابيع من التصويت في الكنيست على اتفاق أوسلو الثاني. وخرج المتطرفون الدينيون اليهود إلى الشارع في مسيرات للتعبير عن الكراهية الدينية للاتفاق.

في الواقع أن حكومة نتنياهو الجديدة هي ائتلاف من تلك الفئة المتواطئة في اغتيال رابين، وبالتالي اغتيال السلام، وعلينا أن نتوقع الأسوأ.