يخضع كثير من الموقوفين في مرآة النقد الفكري والتطرف الديني إلى جلسة مناصحة تستمر لفترة طويلة مع عدد من الشخصيات المتنورة في المجالات الشرعية والنفسية والاجتماعية، وكل يمد يده لإنقاذ أحدٍ ممن تورط في الفكر الضال مما هم عليه من توجه فكري غذي بعقول متطرفة لا ترى إلا منهج التشدد لا غير، والتحريم لكل ما هو حلال إذ هو الأصل إلا ما حرم الإنسان على نفسه.
وترى أحادية الرأي مهما كان الدين متوسطاً لا جفاء ولا مغالاة، وهؤلاء يؤيدون من سفينة المجتمع أن تركب في بحر الأحادية وقصر النظر دون مراعاةٍ لتغير الفتيا حسب الزمان والمكان، فإن قلنا أكل الميت حرام إلا أنه عند الضرورة تُباح المحرمات، وديننا دين التسامح والوسطية والاعتدال، والبعد عن التشدد، لكن وجد في فئة الشباب من يوجه إلى التفريط والجفاء والتقصير والانحراف السلوكي، ونبذ القيم والأخلاق الإسلامية الحقة، وكل يدعي الإصلاح والخير، وأنه هو الجماعة المقصودة في أوصاف أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن هذا غير صحيح، لأن تلك الجماعات وما انطوت عليه من مبادئ وأفكار منحرفة وما تسعى إليه من أهداف وأغراض تسعى إلى ترسيخها بعيدة كل البعد عن منهج السلف الصالح وأتباعهم بإحسان، ومع هذا هُيئت لهؤلاء مدارس معتدلة تناقش بعقلانية وأدلة ومنهجية واضحة دليلها الكتاب والسنة.
إلا أننا نجد بعد خروج بعض هؤلاء من مركز الأمير محمد للمناصحة شذوذاً وانتكاسة مع الأسف قد تكون إلى الأسوأ من ذي قبل، لكن هذا لا يعمم، وما رأيناه بحمد الله من مخرجات المركز شيء يشرف المجهودات التي تبذل لصالح أنفسهم قبل مجتمعهم.
والمركز أساساً لم يقم إلا لمصلحة هؤلاء هداهم الله وشاهدنا ولمسنا مع عدد من الذين مروا بتجربة المناصحة وقالوا قصصاً وحكايات ومناهج عالية أشرف عليها فضلاء من أهل التخصص الأمني والشرعي والنفسي والاجتماعي، فجاءت الحصيلة عالية فوق ما كنا نتطلع إليه، وهذا بفضل الله ثم بفضل الأساليب والمناهج التي يخضع لها المنُاصَح.
وما يهم المركز أن يخرج أحدهم برسالة معتدلة فكراً وعقلاً وحواراً وأدباً مع المجتمع الذي ترعرع فيه ونشأ، أما من كان لبنة من الخارج وتورط في عملية فكرية ودخل الإصلاحيات ثم المركز وهرب بعد ذلك فهذا في أصل الأمر متفق على أنه شاردٌ من الرعية والإجماع، لكن الذي نرمز إليه ونعول عليه أن بعض أبنائنا صغار السن الذين تلقوا فكراً ضالاً ومكثوا سنوات طويلة يتوقع منهم الاستماع والحوار والمناقشة من أجل الفائدة والعودة إلى جادة الصواب، وتنوير غيرهم بحقائق ما يجري في مركز المناصحة صدقاً وفعلاً، ولعل أحدكم يجد فرصة لزيارة أكاديمية نايف ومركز الأمير محمد للمناصحة ليجد الدليل بعينه ويعلم أن حصول الانتكاسة بعد المناصحة ما هو إلا عن هوى في النفس متأصل مع الأسف عند ضعاف النفوس وهم قلة بحمد الله.. هدى الله الجميع وحقق الهداية لهؤلاء ولغيرهم، ودمتم برعاية الله.