تعودنا في كل أمر جديد أو قديم يتعلق بالمرأة في مجتمعنا أن تبدأ حفلات التشجيع وحملات الترهيب، وسيدلي كلٌ بدلوه، فهناك المعارضون ولديهم أسبابهم الخاصة ومعظمها تدور حول حراسة الفضيلة وحفظ المجتمع. وهناك أيضاً المؤيدون ولهؤلاء أسبابهم وهي دعم المرأة للحصول على حقوقٍ مشروعة والمساهمة في تقدم المجتمع عن طريق تحقيق العدالة الاجتماعية. وبين الفئتين الأولى والثانية هناك المتحفظون، فهم يؤيدون ولكن بشروط بعضها منطقي والثاني يدخل القضية في متاهات أكبر. إذ لا أعتقد أنه في العالم العربي هناك قضية مازالت مستعصية على الحل بشكل مرض منذ مطلع القرن الفائت بعد قضية فلسطين مثل قضية المرأة. وأوجه التشابه بين القضيتين كبير، أحدها أن أطراف النزاع هنا وهناك في الغالب تظهر غير ما تبطن مما يساهم في تأزيم الأوضاع. وقد كُتبت عشرات المقالات عن جبهة الممانعة والرفض في قضية المرأة، بينما لا تكاد توجد مقالات تلقي الضوء على جبهة التأييد والدعم..وهذا ما أنوي فعله هنا.

لا شك أن المرأة في مجتمعنا العربي عموماً والسعودي خصوصاً قد تعودت على أن يعارضها الكثير من الرجال أصحاب الصوت العالي، ويعرقلوا أي خطوة لصالحها سواء في مجال دعم حقوقها أو لتحقيق أحلامها المشروعة. ولذلك فليس بمستغرب أن تشعر بالامتنان أو الإعجاب أو الإكبار أو حتى بـ"الحب!" حين تجد رجلاً مختلفاً عن هؤلاء.. إذ يسخر قلمه أو منصبه أو مكانته العملية أو العلمية أو الاجتماعية لمناصرتها والوقوف بجانبها، وبالتالي يصبح هذا الرجل، الذي يبدو وكأنه يغامر بمستقبله في عالم الرجال لأجلها، بطلاً غير متوج. وفي حالة واتتها الفرصة ستقوم بمساعدته بكل ما تملك، بل لا أبالغ في القول إنها قد تتهور وتتزوجه، وهي تحلم بالنعيم المقيم.

لكن ما ستكتشفه هذه المرأة الساذجة أو الصادقة، أن الكذب أو المراوغة سهلٌ جداً لدى نسبة معتبرة من الجنس الخشن، وبالتالي ستصاب بصدمة كبيرة حينما تشاهد تصرفات فعلية من بعض هؤلاء الرجال تخالف ما يقول ويبشر به بشكل مدهش حين يتعلق الأمر به شخصياً وبما يسميه "عرضه" أو زوجته. إحدى صديقاتي طبيبة أخبرتني كيف أنه في اجتماعات القسم تجد بعض الأطباء يملك حماسة شديدة من أجل فرض المساواة في الحقوق والواجبات بينه وبين زميلته، ويعتقد أنه لا مكان للجدل بشأن الاختلاط في البيئة الطبية، لكن هذا الطبيب نفسه سيعمل كل ما في وسعه وسلطته حتى لا تختلط زوجته الطبيبة مع أي طبيب أو مريض من غير جنسها!

الوضع نفسه شهدناه هنا في بريطانيا، فهناك ذلك الزميل المتحمس لمشاركة الأخوات في الأنشطة الطلابية ويدعمهن ضد أولئك المتزمتين، ويظهر أمام الجميع بمظهر الرجل الحضاري، وحين قابلت زوجته ذات مرة وجدتها تشكو الملل، فسألتها لم لا تستفيد من وقتها في دراسة اللغة قالت: "زوجي يرفض أن أدرس في صفوف مختلطة"! وروت لي زميلة مبتعثة ما صدر عن زميل آخر يتعمد إقامة جسور" الأخوة والصداقة" مع المبتعثات، وكيف أنهن كثيراً ما كن يسألنه عن زوجته ولم لم يحضرها معه؟ فكان يتحجج، وحين أحضرها في إحدى المناسبات، جاءت بالعباءة والنقاب وظلت صامته ولم يعرفهم بها..فقط انتبهن بأنها زوجته حينما ركبت معه السيارة.

وتنطبق هذه الازدواجية على عدد لا يستهان به من الإعلاميين والكتّاب والمذيعين والصحفيين، الذين يتغنى بعضهم بالمرأة وحقوقها شعراً ونثراً، ويطبع عشرات الدواوين ويكتب مثلها من الروايات عنها، في حين أنه يخجل حتى من ذكر اسم زوجته أو من إهدائها واحدة فقط من هذه المطبوعات في حين أنه لا يبخل بذلك على أصدقائه ورؤسائه. ولهذا السبب أصبحت لا آخذ على محمل الجد أقلام الكثير من الرجال حين تكتب لأجل النساء إلى أن أتيقن من أن هذا الرجل يطبق ما يطالب به المجتمع على بيته أول.

والمرأة التي قد تكون سابقاً أُعجبت بالرجل المستنير كما كانت تظن، تصاب بصدمة هائلة حين تكتشف كم هو رفيع ذلك القناع الذي يلبسه، وبعد الصدمة يأتي الغضب والمقت، وسيصبح في نظرها أسوأ بكثير من ذلك الذي يرفض أن تنال أي حق، فالأول تبغضه ولكن يمكن أن تتقبل فكرة أنه يملك قناعات مختلفة، في حين أن الثاني تكرهه وتحتقره، لأنها لا تستطيع أن تفهم لماذا يقوم الرجل بلبس رداء المهرج ويخفي وجهه الحقيقي ابتداء؟ أعتقد أن هناك على الأقل أربعة أسباب: أن يكون غير مقتنع بهذه الأفكار من الأساس ولكنه راغبٌ في الظهور بمظهر الرجل المتمدن خاصة ونحن في عصر ثقافة عالمية تشجع على أن يكون المرء منفتحاً "أوبن ما يندد"، وبما أن هذا الانفتاح قادم من الغرب غالباً فتأتي معه ثقافة احترام المرأة. أو أن يكون جباناً.. فهو يعتقد فعلاً بما يقول به لكنه لا يستطيع أن يقف في وجه تقاليد وأعراف عائلته ومحيطه. سبب ثالث هو أنه يستغل هذه الصورة الذهنية التي تتكون عنه لنسج خيوط العلاقات مع النساء لاسيما مع الفراشات اليافعة المندفعات نحو الضوء الحارق والرغبة الضاغطة في التحرر. وأخيراً قد يكون مركزه الاجتماعي أو وظيفته يفرضان عليه أن يلبس رداء غير ثوبه فيسصبح مضطراً _برأيه_ ليعيش حالة الفصام هذه.

في كل الأحوال، فإن تكاثر هذه الفئة من الناس "وليس الرجال فقط" والتي لا يتفق مظهرها مع مخبرها وسلوكها مع كلامها يعني أننا سنيعيش في مجتمع من المنافقين، ويعني أيضاً أنه ستتكون لدينا صورة غير واقعية ولا حقيقية عن مجتمعنا، ففي حين نظن أنه يقفز بخطوات جبارة للأمام، فإنه في الحقيقية يراوح مكانه، وهذه الفئات أكثر ضرراً على قضية المرأة من أولئك الممانعين، فالفريق الأول تستطيع أن تحاورهم وقد تقنعهم، أو تقيم معهم معاهدات سلام، وإن أعيتك الحيل تحاربهم، لكن ماذا تفعل إن كان العدو مندساً بين صفوفك أصلاً..وكما يقول المتنبي: وسوى الروم خلف ظهرك روم.. فعلى أي جانبيك تميل. ألم أقل لكم إن قضيتها لدينا تشبه قضية فلسطين؟