اعتاد الصحفيون انتقاد الإدارات الخدمية الرسمية، بل وانتقاد مسؤوليها بالاسم والمسمى.. لكنهم اعتادوا أيضا إخفاء انتقاداتهم للقطاع الخاص، من شركات وبنوك ومؤسسات، بغطاء "تحتفظ الصحيفة باسمه".
الناس تفسر هذه الازدواجية في معايير النشر بأنها تخضع لسطوة المعلن، وتنحاز إلى الجانب الربحي على حساب أخلاقيات العمل الصحفي.
هذا التفسير غير دقيق؛ إذ إن معظم مؤسسات القطاع الخاص التي ترتكب المخالفات ليس لها نشاط إعلاني يذكر، وبالتالي لا تملك تلك السطوة المفترضة على الصحف، كما أن الشركات الكبرى ذات الحراك الإعلاني لا تمارس ما يتخيله البعض من تلك الضغوط.
التفسير الحقيقي لهذه الازدواجية -حسب خبرتي- هو ما نعيشه من ضبابية في تعريف "التشهير" قانونيا، واستغلال مؤسسات القطاع الخاص وغيرها لذلك، حتى أصبح مجرد نشر أي قصة صحفية تتضمن اسم المؤسسة كافيا لإقامة دعوى "التشهير" فيما يستمر الخطأ عبر قبول تلك الدعوى من الجهات القضائية أو لجنة النظر في المخالفات الصحفية في وزارة الإعلام.
الجزء الثاني من هذه المشكلة يتمثل في العقل الجمعي للصحفيين الذي تشكل بفعل التقليد والمحاكاة، حتى أصبح البعض يعد تغييب اسم المؤسسة أحد أهم معايير النشر!
بحثت في المصادر الدولية المتاحة عن مفهوم "التشهير" فلم أجد ما يشير إلى فهمنا "الأعرج" له، وهذا ما يفسر عدم لجوء الصحف الأجنبية إلى غطاء "تحتفظ الصحيفة باسمه" الذي جعلنا نعيش في دوامة لا تنتهي من الفساد والاستغلال.
تجنب "التشهير" لا يعني إطلاقا ممارسة "التستر".. وما يمارس لدينا واقعيا هو نوع من التستر الذي يخفي شخصية مرتكب الخطأ، أو المقصر، أو المفسد، ليواصل ارتكاب المزيد.
غياب المعايير القانونية المحددة والواضحة لـ"التشهير" ستجعلنا ندور في حلقة مفرغة دون أن نصل إلى إصلاح حقيقي يواجه دوامة الفساد.. وأهم الخطوات التي يجب حسمها في مسيرة مكافحة الفساد هو تصحيح هذا المفهوم.
والخطاب هنا موجه بالدرجة الأولى إلى هيئة مكافحة الفساد، وإدارتها الجديدة.