في الغرب عموما وفرنسا خصوصا تتغلغل مافيات إيرانية تضخ الأموال لمصلحة الحملات الإعلامية والسياسية المناوئة للسعودية، نظرة سريعة لوسائل الإعلام الغربية كفيلة بجعلنا نتنبه إلى خطورة وفاعلية هذا اللوبي المنتشر بين أصدقائنا المفترضين قبل خصومنا، تفاعلات قصة إعلان توظيف عدد من السيافين السعوديين المعروفين بـ"منفذي القصاص" خير برهان. لم تبق وسيلة إعلامية فرنسية واحدة إلا وتناولت الخبر "المغلوط" الذي أثار شهية المتربصين القلقين من تداعيات التقارب الفرنسي السعودي الأخير ومن اليقظة السعودية التاريخية عبر عاصفة الحزم، والذين نجحوا في إثارة الغبار رغم النفي السعودي الرسمي للإعلان لاحقا وتفسير ملابساته.
على الضفة الأخرى للحدث الذي تلقفته وسائل الإعلام بشهية الجائع إلى السفاسف؛ بدا الصوت السعودي المدافع والمهذب ضعيفا وخجولا في الإعلام الفرنسي، ولو كنت في مكان السفارة السعودية هنا لنظمت حملة ممنهجة ومضادة بوجه هذه الألاعيب التي تستهدف سمعة المملكة الصاعدة، فالترفع السعودي المعتاد عن صغائر الأمور لم يعد صالحا ولا مغفورا في ظل هذا التهويل الإعلامي لأدنى تفصيل في الداخل السعودي.
مقولة أهل مكة أدرى بشعابها، رغم صوابيتها، لم تعد صالحة في القرن الواحد والعشرين، حيث بات العالم مفتوحا على مصراعيه للقاصي والداني، وحيث أصبحت شعاب مكة مراقبة بتلسكوب عالمي شديد التطور، أبسط أدواته شبكة الإنترنت والتواصل الاجتماعي وإثارة الفتن تحت ذريعة حماية حقوق الإنسان، كما أن الرد الإعلامي على هذه الهجمات بشكليه المباشر والتقليدي لم يعد كافيا أو صالحا، فقد أكل الدهر وشرب على هذه الآليات القديمة، والمطلوب محاربة الخصم بنفس أسلحته رغم وضاعتها أحيانا، بل ومفاجأته بأسلحة جديدة. من أنجع أدوات هذه الآلية الدفاعية اللاهجومية تجنيد لوبي غربي مناوئ للوبي الإيراني، مكلف بنقل الجرائم والانتهاكات الكبيرة والكثيرة لحقوق الإنسان التي تمارسها حكومة طهران ضد الإيرانيين أنفسهم، وتسليط الضوء عليها بدل غض النظر عنها لمصلحة تضخيم أبسط هفوة سعودية.
على سبيل المثال لا الحصر سأفند بعض الخطايا الإيرانية في ملف حقوق الإنسان والتي تغاضت الصحافة الغربية والعربية عنها أو التي تم التطرق إليها بمقدار يسير مقارنة بالتهويل اللافت لقصة إعلان السيافين السعوديين الأخير وقانون منع المرأة السعودية من قيادة السيارة. في مارس الماضي أعلنت الأمم المتحدة عن إعدام 753 شخصاً في إيران لتسجل طهران الرقم الأعلى في الإعدامات على مستوى العالم منذ 2002.
ووفقاً لمقرر الأمم المتحدة الخاص لحقوق الإنسان تم، على الأقل، اعتقال 29 صحفياً ومدوناً ومستخدماً للإنترنت سجنوا أو حوكموا منذ مايو 2014 بينهم مراسل "واشنطن بوست" جيسون رضائيان، وبالعرف الإعلامي هو تقرير يستحق تسليط الضوء كثيرا في بلاد الحريات وحقوق الإنسان، وهذا لم يحدث كما يتطلب حجم الانتهاك.
الثورة الكردية المستمرة في مدينة "مهاباد" الإيرانية والتي أطلق شرارتها، قبل حوالي شهر، انتحار "ريناز خسرواني" الفتاة الإيرانية ذات الـ26 عاما إثر محاولة عنصر من المخابرات الإيرانية الاعتداء عليها جنسيًا والتي أدت إلى إعلان حالة الطوارئ في المدينة بعد اشتباكات عنيفة بين الأهالي وقوات الأمن الإيرانية أسفرت عن مقتل وإصابة 50 شخصًا، واعتقال عشرات آخرين، لم تحظ باهتمام غربي ولا حتى عربي كما يجب، ما يؤكد نظرية اللوبي الإيراني الحاضر، وبالمناسبة حتى الصحافة الإسرائيلية العدوة لم تولها التغطية الكافية، ما يجعلنا حقا نتساءل عن اللغز المستتر خلف ذلك! ودائما مقارنة بالهوس الإعلامي لالتقاط أصغر التفاصيل السعودية، علما بأن الكرد في إيران يعانون منذ تاريخ طويل من الاضطهاد، ففي 2009 قامت إيران بإعدام أول ناشط سياسي كان معتقلا في سجونها، ثم تم إعدام الناشط "إحسان فاتاهيان"، وفي 2010 أعدم الناشط السياسي "فاسي ياساماني" وأربعة نشطاء أكراد دون إخبار ذويهم، بعد تعذيبهم وسحب اعترافات منهم بانتمائهم إلى منظمات غير مشروعة، وكله تم في تعمية إعلامية إيرانية رسمية. أيضا حادثة الاعتداء على الفتاة ريحانة جباري، التي تم إعدامها على يد السلطات الإيرانية، بعد طعنها لعنصر مخابرات حاول اغتصابها.
وبالعودة خلفا إلى عهد الخميني اعتقل مئات الأطباء وموظفي الدولة وأساتذة الجامعات والتجار والطلاب البهائيين. وعُذِّب وأعدم المئات منهم كما طولبت أسرهم بتحمل تكاليف الإعدام، وصودرت ممتلكات من بقي منهم حيا، وأصبح إرغامهم على الارتداد عن عقيدتهم أمرًا شائعًا، كما رفضت السلطات الإيرانية منحهم بطاقات تموين، ومنعت أبناءهم من دخول المدارس والجامعات الحكومية، وحظرت عليهم ترك البلاد، ويحكى أن هذا الاضطهاد المعلن لم يتوقف إلا في أواخر 1988، وأيضا لا أثر يذكر لذلك في الرأي العام الغربي.. ماذا بعد؟
ما تزال المرأة الإيرانية تعدم رجما وإن كان ذلك ينفذ بشكل سري غالبا كما يتم تعذيب النساء في السجون وتصويرهن عاريات، ووثقت الناشطات الإيرانيات مؤخرا حالات التعذيب والإساءة وتصوير النساء في الحمامات من خلال كاميرات سرية في القاطع الثاني الخاص بالنساء الذي تشرف عليه استخبارات الحرس الثوري الإيراني مؤكدات أن: "ظروف النساء السجينات أكثر خطورة من الرجال السجناء، لأن الملالي والحرس يمارسون أبشع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي على النساء". ففي 2004 أظهرت دراسة أن 66.3% تعرضن للعنف، وعانت 10% بسبب العنف الشديد، و28.5% تعرضن لعنف جسدي، بالإضافة إلى أنه تم رش النساء غير المحجبات بـ"الأسيد الحارق" من قبل مجموعات لا يعرف انتماؤها، كما تتم ملاحقة النساء في الشوارع دائما لإرغامهن على ارتداء الشادور. انتهاكات موثقة بحق المرأة الإيرانية تكاد تختفي أمام الهوس الإعلامي الغربي بحقوق المرأة العربية السعودية التي ترتدي النقاب ولا تقود السيارة، والذي يغض الطرف، بتأثير اللوبي المأجور الحاقد على العرب، عن أن المرأة السعودية نفسها تمتلك حق الخلع والحضانة وقد بدأت تدخل سوق العمل، وأن المرأة السعودية -حسب مؤشر مؤسسة "سيفْ ذِي شيلدرِين" الأميركيَّة الذي يهتم بمدى توفر المناخ الملائم للسيدات بأن يصبحن أمهات- الأولى عربيا من حيث الظروف الاجتماعية والصحية والمادية التي يمكن فيها للمرأة أن تكون أمًّا، وفي المركز 39 عالميًّا فيما حلّت تونس ذات التجربة الديموقراطية الرائدة في المركز 59 والجزائر في المرتبة 76 دوليًّا وإيران في مرتبة متأخرة جدا.
لست هنا في معرض دخول المنافسة في أي نساء العالم وضعه أسوأ، فالمرأة السعودية ما زالت ترزح تحت سطوة عادات ذكورية تعيق تقدمها الفعلي والتنموي في المجتمع، مثلها في ذلك مثل بقية قريناتها العربيات، ومن المخجل اختزال الحركة التحررية للمرأة العربية فقط في قيادة السيارة فيما تتعرض آلاف النساء السوريات المعتقلات للسجن والتعذيب أو التهجير والرجم الممنهج أخلاقيا وجسديا وإنسانيا على يد نظام الأسد المدعوم بشكل رئيسي من ملالي طهران.
وإلى أن نتمكن من تأسيس لوبي عادل مضاد ومناصر لقضايانا سيكون من الضرورة بمكان أن نعلن عن حاجتنا إلى سيافين يتقنون قطع حبل الكذب.