بدعوة كريمة من نادي تبوك الأدبي ممثلا في عضوة مجلس الإدارة الزميلة الدكتورة عائشة حكمي شاركت زميلاتي وزملائي الملتقى الخامس تحت عنوان "الثقافة والانتماء". العنوان كان مغريا جدا وكذلك تبوك مدينة الورد التي ما زلت حتى كتابة هذه السطور أستنشق عبير ورودها وسحر جمالها الأخاذ الذي أغراني وكثيرا من الضيوف بالمكوث مدة أطول وإلغاء رحلة العودة، فمن تحتضنه تبوك الخضراء يصعب عليه وداعها. روعة ما حولي جعلت كتابة المقال هذا الأسبوع مهمة صعبة، المساحة لا تكفي لقول كل ما أريد، فكل شيء هنا في معشوقتي الجديدة تبوك يستحق الكتابة عنه.

الطائرة التي انطلقت صباحا من عاصمة الحزم حطت في تبوك الجمال، لننتقل في الظهر إلى لقاء الحاكم الإداري الأمير فهد بن سلطان في بادرة جميلة - كحفل افتتاح لبداية الفعاليات -، حيث استقبل ضيوف النادي من الأدباء والمثقفين القادمين بحب لمدينة القرنفل. زميلاتي وزملائي وأنا سعدنا بلقاء الأمير، حيث بدا لنا خلال الحوار تلك العقلية المستنيرة والمثقف الكبير الذي يحمله حاكم تبوك في داخله، شفافية في الطرح ونقاش صادق حول الثقافة والانتماء ودور الإعلام. تحدث عن المرأة ودورها في المجتمع وكان نصيرا لها ومدافعا عن حقوقها كمواطن كامل الأهلية لها حقوق وعليها واجبات، تحدث عن مستقبل تبوك وأحلامه وطموحاته كحاكم إداري يسعى إلى أن تكون مدينته أنموذجا للمدينة السعودية الأفضل. عن الورد والسياسة والإدارة ودور الأندية الأدبية في صناعة الوعي الجمعي كان بعض حديثه، وحوارنا تحدث عن أمله في أن نسهم كمثقفين وأدباء في إثراء المشهد حول الوطنية والانتماء.

ببساطة كان حوارا جميلا ولقاء أجمل مع رجل لا يختلف اثنان بعد الخروج من مجلس إمارته على عمق الأمير الفكري، وتلك الخلفية المعرفية التي تميزه واللغة المترفة الراقية التي لا تقل بكل أمانة وشفافية عن طرح أديب مميز. بعد ذلك عدنا لننعم ببعض الراحة في الفندق الراقي جدا الذي كان ولا يزال مقر إقامتنا، والذي حرص نادي تبوك وأعضاء مجلس إدارته ورئيسه الدكتور نايف الجهني على أن نجد فيه كل وسائل الراحة وكرم الضيافة. بدأت الفعاليات الخامسة والنصف مساء الإثنين وحتى السابعة والنصف في الجلسة الأولى بالمحور الأول الذي كان حول "شعرية الوطن والانتماء إلى المكان في الأدب السعودي"، حيث شارك الضيوف بأوراقهم المميزة التي كانت بحق مثار إعجاب الجميع ابتداء بأستاذنا حمد القاضي وانتهاء بالمبدعة إيمان الحازمي مرورا بالرائعة مستورة العرابي وأدارها بكل اقتدار الدكتور صالح الغامدي أستاذ الأدب.

عدنا بعدها في الثامنة مساء لنسعد بلقاء الحاكم الإداري مجددا، ولكن هذه المرة في منزله الخاص، حيث دعانا إلى تناول طعام العشاء في لفتة مميزة لحرص الأمير النبيل فهد بن سلطان على لقاء المثقفين وتجاذب أطراف الحديث معهم حول مواضيع مختلفة وتعزيز العلاقة بين المسؤول والفاعلين في المشهد وحرص الأمير على حضور مئات من وجهاء تبوك وإعلامييها كمدعوين للعشاء ليكون الحوار أشمل وأعم. صباح الثلاثاء كانت الجلسة الثانية استكمالا للمحور الأول شارك فيها عديد من الزميلات والزملاء بمشاركات لا تقل تميزا وروعة عن الأولى لا يتسع المجال للحديث عنها. كان الوطن وحب الوطن حاضرين بقوة والانتماء للمكان طاغيا في الأدب الذي نثره الأحبة بصدق ونقاء وشفافية. عصر ذلك اليوم اللطيف سعدنا بزيارة أدارها زميلنا أحمد الدويحي. في المساء كانت الجلسة الثالثة لتناول المحور الثاني حول دور الإعلام في الكشف عن صور الانتماء في الإبداع المحلي، حيث شاركت زميلاتي وزملائي ورقتي التي ضمنتّها صورا عديدة لدور الشعراء الشعبيين وتفاعلهم مع المرحلة التي يمر بها الوطن، وتطرقت إلى دور الثقافة القبلية والعادات في تنشئة الفرد وتوظيف انتمائه والحديث عن هذا الانتماء من حيث كونه هوية وعقيدة. تحدثت عن مشاعر الحب والارتباط بالوطن وما ينبثق عنها من استجابات عاطفية والفرق بينها وبين المواطنة، وعن الانتماء من حيث كونه ثابتا مستقرا أم متغيرا من مواطن إلى آخر واختلاف تجسيده من قطاع إلى آخر، وهل هو شعور غريزي أم إحساس إدراكي؟ تحدثت عن المتغير حسب درجة الوعي والانتماء وأن كل قطاع يتشكل حسب التحديات التي يواجهها. في مجال الإعلام أوضحت أنه يصل تأثيره إلى درجة عليا مثله مثل الجندي في المعركة لأنه يدافع عن حياض وطنه، ولكن بالكلمات بينما الجندي يدافع بالسلاح ولهذا تتحول الوطنية إلى يقين ثابت ومسؤولية كبيرة. استشهدت بأبيات كثيرة لخلف العتيبي وضمنت المشاركة بأبيات لي أثناء عاصفة الحزم.

سعدت في نهاية الجلسة بثناء زميلاتي وزملائي وكثير من الحضور، ما جعلني أشعر بالرضا المقال لا يتسع للأسف للحديث عن الأمسية الشعرية وزيارة مدينة جامعة تبوك العملاقة، ولا مزارع الورد في "أسترا" ولا عن الأمين سعادة المهندس محمد العمري الاستثنائي في زيارتنا للأمانة وما شاهدناه من استشراف لمستقبل تبوك الورد والمحبة حتى عام 2045 فالرجل طموح، ومشاريع الأمانة تستحق مقالات عدة، شكرا تبوك المحبة بشرا وشجرا.. وردا وقرنفلا.