لماذا نستغرب عندما يقيس العقاريون قلوبهم بالمتر المربع؟ إنسانيتهم "على شارعين ترابيين"، وإن تم "سفلتتها"،
فسيبيعون حتى إنسانيتهم لمن يشتري أكثر.
هذه هي الحالة النفسية لشخصية الهامور الذي يعمل في العقار، والذي يمرر أسعارا يرفضها العقل وترفضها الآلة الحاسبة.
ورغم أن مساحة المملكة 2 مليون وربع كيلومتر مربع، إلا أن فاتورة الأراضي التي يتم بيعها سنويا على قائمة الأسعار المجنونة كفيلة أن تنقلنا إلى كوكب آخر بعيدا عن هذه الأرض. ولكن ليعلم تجار الجشع أن السعوديين غير معزولين عن العالم.
منذ أيام وصلتني رسالة على "واتساب" عن متقاعد من محايل عسير قام ببيع بيته بـ250 ألف ريال، وقام بشراء مزرعة وفيلا في البوسنة، ولم أصدق الصور التي كانت مرفقة مع الرسالة! كان مشهد العقار مبهرا بكل عناصره: الطبيعة، بناء الفيلا، المساحات الكبيرة والجوار، كل ذلك بـ250 ألف ريال.
السعوديون غير معزولين عن العالم، لذلك يجب مواجهة "كورونا العقاريين" من خلال مؤشر عقاري عقلاني للمتر المربع.
تلك الأراضي، معظمها تم منحها من قبل الدولة، ومن هذه المنح تم تجييش الجشع في نفوس العقاريين الذين أخذوا شيئا بالمجان ليصنعوا منه ثمنا باهظا للثراء السريع.
لقد أصبح المتر المربع السكني بـ10 آلاف ريال! مع قانون الأراضي البيضاء، يجب أن يكون هناك مؤشر عقاري حقيقي تعتمده الدولة.
سأستدعي قصة حدثت معي منذ عشرين عاما. ذهبت إلى مكتب عقاري نشر إعلانا ووجدت ما يقرب من 10 أشخاص يتخاصمون ويتصارعون لحجز الأراضي قبل انتهائها.. فزعت، وخشيت ألا أجد فرصتي، وصادف أن أذن لصلاة المغرب فذهبت للصلاة، وبعد الانتهاء قررت أن أعود في اليوم التالي ومعي "كاش" كي أقوي موقفي التفاوضي أثناء شراء القطعة. في اليوم الثاني وجدت نفس الأشخاص يتصارعون ويزايدون، فأدركت أن هؤلاء ليسوا سوى "كومبارس" مستأجرين من قبل صاحب المكتب لإيهام الزائرين بجاذبية الفرصة العقارية!
هذه الاستراتيجية كانت متبعة منذ 20 عاما، الآن هناك أدوات جديدة لزراعة الوهم من خلال القنوات التلفزيونية، ووسائل التواصل الاجتماعي والصحف. ويستخدمون في تمرير أمتارهم المربعة ألفاظا جذابة، في ظاهرها علمية واقتصادية و"بزنس"، وفي باطنها ليس سوى شيطان من الجشع والوهم.