الطيبة والكرم السعودي كانا حاضرين في مخيلة سفير ألمانيا بوريس روجه قبل أن تطأ قدماه أرض الرياض سفيرا لبلاده لدى المملكة، ووافقا توقعاته، لكن الجديد كان إعجابه بطبيعة المملكة الصحراوية التي لم يألفها من قبل، حيث نالت استحسانه وجذبته، وسحرته تماما كتقاليد سكان المملكة، ولم ينس طعم طبق السمك الشهي المطبوخ على الطريقة الجازانية.

بداية القصة كما رواها السفير روجه خلال حوار أجرته معه "الوطن" جرت منذ لقائه الأول مع خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي خصص جزءا من الاستقبال لسؤاله عن عائلته في ألمانيا، الأمر الذي لاقى إعجابه وامتنانه، ليكمل في مسيرة تعزيز التعاون الوثيق والعلاقات المميزة بين البلدين، التي سادتها أجواء من التوافق على كل الصعد السياسية والاقتصادية وكثير من الملفات الإقليمية الساخنة.


حياة السفير في المملكة

وقال السفير "سررت جدا لتعييني سفيرا لبلادي لدى الرياض العام الماضي، ليس فقط لأن المنصب يعد مهما ومميزا في سلك وزارة الخارجية، بل لأنني أيضا أقدر منذ وقت طويل الطيبة والضيافة والتنافسية للسعوديين، وحتى الآن تتلاقى تجربتي الحالية مع توقعاتي السابقة".

ويضيف "لقد سافرت كثيرا داخل المملكة، وسحرتني الطبيعة وتقاليد الناس في مناطق المملكة، وطبقي المفضل السمك الجازاني، القادم من البحر الأحمر مباشرة، والمقدم بطريقة مميزة".


قصة مع الملك

وفيما يتعلق بقصصه الشخصية مع خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز، أبدى إعجابه الكبير بطيبة الملك، وكرمه بتخصيص وقت للاطمئنان عن عائلته وأطفاله خلال لقائه به في الديوان الملكي.





العلاقات الثنائية

وحول العلاقات الثنائية بين البلدين، أشار بوريس إلى أن المملكة تنتمي إلى مجموعة العشرين، ولها قوة فاعلة في الجامعة العربية، وتتمتع بسلطة رائدة على المستوى الإقليمي، لذلك فإن التعاون الوثيق بين الحكومتين السعودية والألمانية يصب في مصلحة البلدين ويزداد أهمية يوما بعد يوم.

وأضاف أن العلاقات بين المملكة العربية السعودية وألمانيا تاريخية وخالية من المشكلات، حيث تم توقيع أول عقد صداقة بين البلدين في عام 1929، كما أن ألمانيا تحترم الدور السياسي والديني المهم للسعودية كما تحترم إنجازاتها الاقتصادية البارزة. ويعتبر الحوار الدائم بين البلدين حول كثير من القضايا، عاملا رئيسا في خلق تقارب نوعي بين البلدين حول عدد من الرؤى الاقتصادية والسياسية عموما، وقضايا منطقة الشرق الأوسط خصوصا.

وهناك دوما حاجة لدفع العلاقات القوية أصلا للاستمرار ومضاعفتها على مر الزمن لخدمة الاقتصاد والسياسة والشعوب.


التعاون الأمني

وأوضح سفير ألمانيا أن العلاقات الأمنية تشهد تعاونا وثيقا بين شرطة الحدود الألمانية وحرس الحدود السعودية، حيث نجح التنسيق في توقيع عقد من أجل استمرار هذا التعاون الأمني الدفاعي، لحماية المعلومات السرية، والتعاون في مجال تطوير حرس الحدود السعودية، كما ترغب ألمانيا باستمرار في تطوير وتوثيق العلاقات الأمنية مع المملكة، خدمة للمصلحة المشتركة للبلدين.


مكافحة الإرهاب

أما فيما يخص التعاون الاستخباراتي فهو يشهد تطورا ملموسا ويمتاز بأنه دائم ووثيق بين الأجهزة التابعة للدولتين ولأسباب أمنية لا نستطيع التعمق في التفاصيل، ولكن يمكننا التأكيد بأنها تصب في مصلحة الدولتين وتحقيق أمن الشعبين.


عاصفة التوتر الإسكندنافية

وحول ما حدث من توتر بين المملكة والسويد منذ فترة، قال "نحن مرتاحون لحل الأزمة الديبلوماسية بين المملكتين السعودية والسويدية لأن تحقيق المصالح المشتركة بين أوروبا ودول الخليج بشكل عام، والمملكة والسويد بشكل خاص يحتاج إلى تفاهم بين الطرفين، وحل المشكلات الثنائية يتم عبر الحوار بين الدول المتصادقة، والأمر يحتاج إلى تبادل الآراء بصراحة، وفي الوقت نفسه احترام متبادل للحضارة والثقافة لكي يستمر ويؤتي نتائجه"، وبدا السفير الألماني مرتاحا لسير الأمور حاليا في هذا الملف.


ألمانيا وقضايا العرب

وأكد روجه أن ألمانيا والمملكة تتشاركان المواقف والأهداف نفسها فيما يخص كل أزمات المنطقة العربية، ففي القضية السورية مثلا، تدعم ألمانيا الحل السياسي الذي يحقق السلم الداخلي ويضع نهاية لعدوان النظام السوري على شعبه، ودعم تكوين حكومة جديدة تمثل كل أطياف الشعب السوري.

وأضاف بالنسبة إلى القضية الفلسطينية هناك تأييد لمبادرة الملك عبدالله -رحمه الله- في حل الدولتين من أجل تحقيق السلام الدائم في المنطقة.

وفي العراق تشارك ألمانيا والمملكة في التحالف الدولي من أجل محاربة تنظيم الدولة وتدعمان وحدة واستقرار العراق وتكوين حكومة تمثل كل مكونات المجتمع العراقي.


التعاون الاقتصادي

وأكد أن العلاقات الاقتصادية السعودية - الألمانية شهدت في السنوات الأخير تطورا ملحوظا وما زالت توجد إمكانات كبيرة للاستمرار في تطويرها وتنميتها.

وقال إن الفرص الاستثمارية متاحة للشركات الألمانية في المقام الأول في قطاع الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة والتدريب المهني، وكذلك الصناعات التحويلية، فكثير من الشركات الألمانية تقيم مصانع إنتاجية ناجحة في المملكة، سواء بمفردها أو من خلال مشاريع مشتركة مع شركاء سعوديين.

وتتمتع المملكة بعدد من المزايا نتيجة لموقعها المميز وكذلك بفضل النمو المستمر في السوق المحلية والدعم الحكومي لمصادر الطاقة والمواد الخام كالنفط والغاز والألمنيوم، وكذلك فرص التصدير إلى الدول المجاورة.

لذلك توجد فرص كبيرة للشركات الألمانية للاستثمار في المملكة في إطار تنويع مصادر الصناعة في المملكة، ولكن توجد أيضا عقبات كثيرة يجب أخذها في الحسبان، كما سأتطرق لها في السؤال التالي.


حجم التبادل التجاري

بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في عام 2014 ما يقارب الـ8.9 مليارات يورو صادرات من ألمانيا إلى المملكة، و0.9 مليار يورو واردات من المملكة إلى ألمانيا، حيث تحتل ألمانيا المرتبة الثالثة في حجم الصادرات التجارية إلى المملكة العربية السعودية.

وأكد أن جزءا كبيرا من المعدات التقنية في الصناعات البتروكيماوية والصناعات التحويلية الأخرى تأتي من ألمانيا. وأسهمت الشركات الألمانية بقوة في الفترة الماضية أيضا في بناء البنية التحتية في قطاعات الكهرباء والماء والنقل والاتصالات. وخلال ذلك تم نقل كثير من المعرفة التقنية من الشركات الألمانية، فعلى سبيل المثال قامت الشركات الألمانية بمساندة المملكة في بناء البنية التحتية لصناعة الحديد والصلب لديها. وتعدر أهم الصادرات السعودية إلى ألمانيا النفط الخام وكذلك المنتجات البتروكيماوية.

وتقوم عدد من الشركات السعودية الآن بتصنيع منتجات قادرة على المنافسة في الأسواق الأوروبية والعالمية، وقال "نحن نرحب بالمملكة العربية السعودية كشريك تجاري، ليس فقط لتوفير المواد الخام، ولكن أيضا لتصدير المنتجات المصنعة. سنستمر في التعاون مع المملكة في مجال تنويع صناعتها وزيادة جودة منتجاتها".


الاستثمار في المملكة

وحول ظروف الاستثمار في المملكة قال "رغم الظروف الممتازة للاستثمار في المملكة فإنه يوجد مجال للتحسن في بعض النواحي. فمن جانب لاحظنا تحسنا كبيرا في الأمن القانوني في المملكة العربية السعودية، خصوصا في الممارسة القانونية. ولكن من جانب آخر لا تزال في المملكة بعض العقبات البيروقراطية كما هو الحال في ألمانيا وجميع دول العالم ويتوجب الحد منها مستقبلا. وكذلك تواجه بعض الشركات الألمانية صعوبات في استصدار التأشيرات إلى المملكة العربية السعودية والحصول على التراخيص أو تمديدها وصعوبة إيجاد وتدريب موظفين ذوي كفاءة مهنية عالية. ولكن بشكل عام يمكننا القول إن المملكة تقدم فعلا ظروفا ممتازة لمزيد من الاستثمارات.

يشار إلى أن ألمانيا أيضا تتمتع بمزايا تجعلها موقعا جاذبا للاستثمار. لدى المملكة احتياطات نقدية وفيرة يمكن استثمارها بشكل مربح في ألمانيا. تعتبر ألمانيا من أكثر المواقع الاستثمارية جاذبية في العالم وذلك بفضل البنية التحتية المتطورة ومستوى التدريب للقوى العاملة الذي يعد الفريد من نوعه على مستوى العالم وبفضل مرافق البحث العلمي المتقدمة والإنتاجية العالية.

ومن القطاعات التي يمكن الاستثمار فيها قطاع الصناعات الكيميائية والقطاع الصحي وقطاع التقنية والطاقة، وكذلك قطاع صناعة السلع الاستهلاكية وقطاع السياحة. فعدد الشركات السعودية التي تختار ألمانيا للاستثمار فيها في ازدياد مستمر، فعلى سبيل المثال أقامت شركة سابك في مدينة جيلزينكيرشن في غرب ألمانيا شركة سابك بولزوليفاين م.م. (SABIC Polsolefine GmbH in) وتستثمر شركة (ACWA-Power) في شركة صنع خلايا الطاقة الشمسية فلابيج (Flabeg) في بافاريا".


السياحة

أشار السفير الألماني إلى أن أعداد السياح السعوديين الذين يسافرون إلى بلاده سنويا يتراوح ما بين 40 - 50 ألفا سنويا، حيث إن الأرقام ليست دقيقة 100% بسبب إعطاء فترة صلاحية طويلة لعدد منهم، موضحا إلى أن الغالبية العظمى منهم يقصدون جنوب ألمانيا، خصوصا منطقتي بافاريا والألب، ولكن هناك أيضا مقاصد أخرى كبرلين وفرانكفورت بدأت تحظى بشعبية متزايدة، داعيا السعوديين لزيارة ألمانيا للتمتع بكثير من الأماكن الجميلة فيها.


التأشيرات في العام الحالي

وبين روجه أن عدد التأشيرات التي تم إصدارها خلال أول شهرين من العام الحالي بلغ 3200 تأشيرة للسعوديين، ولكن العدد يتزايد خلال موسم الصيف، حيث من المفضل لمن ينوون السفر التقدم ببضعة أشهر قبل الصيف.


الطلاب السعوديون

يدرس في ألمانيا قرابة 1300 طالب سعودي، وهم من المبتعثين على برنامج الابتعاث الخارجي للملك عبدالله، ويدرس كثير منهم تخصص الطب في أرقى الجامعات، ويوجد عدد قليل من الطلاب الألمان يدرسون في المملكة في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، مشيرا إلى سعادته أن تشهد أعدادهم زيادة قريبا.