كلنا يعرف أن للجامعات ثلاث مهمات رئيسة، هي: التدريس والبحث العلمي وخدمة المجتمع.. ولا بد من قياس نجاح أي جامعة بهذه المحددات.. وبالشواهد والأدلة وليس بالقصص الجميلة والعبارات المنمقة والتقارير المضللة والنجاحات الفردية التي ليس للجامعة أي جهد أو فضل فيها، بل هي نتاج نجاح أفراد متفوقين هم من صنعوا أنفسهم بتفوقهم، وليس الجامعات فتتلقف الجامعات نجاحاتهم على أنها من صناعتها وهي ليست كذلك، وإنما صادف أن درس أولئك المتفوقون في تلك الجامعات..

 ابتداءً نحمد لبلادنا هذا الكم الكبير من الجامعات المنتشرة في طول البلاد وعرضها حتى لم يعد طالب يحتاج الذهاب إلى أي مكان للبحث عن مقعد جامعي كما هو الحال في فترة من الفترات في السابق، وعندما نتحدث عن الخلل في الجامعات نذكر بالتقدير اعتراف وزارة التعليم العالي بأن هناك خللا في أداء الجامعات، وأن هذه المؤسسات تواجه معوقات تقف حجر عثرة في سبيل مواصلة رسالاتها، تمثل ذلك في اثنين وأربعين مشروعاً تقوم بها وزارة التعليم العالي  لبحث معوقات الجامعات، هناك من هذه المشاريع ما يتناول بعض القضايا التي تحدث عنها المجتمع، ويعاني منها الطلاب، والواثق دائماً لا يدافع عن أي نهج انتهجه إلا بعد تقويمه بدراسات علمية تفضي إلى نتائج علمية، وهنا لن أتحدث عن مهمات الجامعات الثلاث التي ذكرتها، فالحديث عنها طويل ومتشعب، لكنني سأتحدث عن مشكلات قائمة تتمثل في قضيتين ملحتين في ظني إذا تمت معالجتهما فستسهم هذه المعالجة في نجاح جامعاتنا.

أولاً: السنة التحضيرية برنامج جديد لا يمكن لوزارة التعليم العالي أن تدعي أنه قد حقق النجاح المأمول منه في ظل شكاوى كثير من الطلاب وفي ظل عدم تقويمه علمياً، وهي تحسن الصنيع بقيامها بدراسة هذا البرنامج بحيث يكون في المستوى المأمول منه.

ومادام الحديث عن السنة التحضيرية كأحد المشاريع الاثنين والأربعين التي تعمل الوزارة على تقويمها فلعلي أقترح على الوزارة أن تقوم بتجربة رائدة قامت بها بعض جامعات الولايات المتحدة الأميركية الرائدة في ولاية كالفورنيا.. وهي بعمل ما يسمى out source، ويعني التعاقد من جهات أكاديمية متخصصة فقط في السنة التحضيرية، ففي ولاية كالفورنيا تم تعاقد 19 جامعة مع مؤسسات (California Academy) خارجية لتقدم برنامج السنة التحضيرية، وبذلك لا تشغل الجامعة نفسها في برامج خارج اختصاصاتها.. مثل برنامج اللغة الإنجليزية المكثف الذي يعتبر عصب السنة التحضيرية، السنة التحضيرية هم بحد ذاتها.. ومتطلبات برامجها تتطلب جهودا وخبرات ومناهج وأساتذة من غير اليسير على أي جامعة أن تنجح فيها بسهولة.. ولهذا تلجأ الجامعات في الغرب كما أعرف إلى تجيير هذا البرنامج إذا صح التعبير إلى جهات متخصصة.. وأنشأت بذلك سوقا أكاديمية، ولا عيب في ذلك، لتولي هذه المهمة والتركيز عليها، المأمول أن تقوم وزارة التعليم العالي بدراسة تجارب تلك الجامعات ومعرفة مدى نجاح تلك التجارب والاستفادة منها.

ثانياً: الرسوب والتسرب ضمن الاثنين والأربعين مشروعا التي تدرسها وزارة التعليم العالي، وهو مشكلة كبيرة في مجتمعنا لا تقتصر على التعليم الجامعي، بل قبله التعليم العام.. وهذه المشكلة لها أبعاد خطيرة.. ولا بد من علاجها، والسنة التحضيرية ذات صلة وثيقة بالرسوب والتسرب، فربما كان لدى الطالب استعداد للنجاح في الجامعة لكنه لا يملك مهارات التعامل مع متطلبات الجامعة لتأتي السنة التحضيرية وتعالج هذه المشكلة، والرسوب والتسرب يجعلاننا نسأل السؤال البديهي: أين يذهب هؤلاء الراسبون أو المتسربون الذين تطردهم الجامعات بسبب تكرار رسوبهم؟ واقتراحي هنا أن يوقف العمل بهذا النظام فوراً لأسباب أمنية تتعلق بالحساسية التي تشهدها المجتمعات الآن، ويمكن تفعيل دور السنة التحضيرية للتقليل من هذه المشكلة، ومن يستمر رسوبه فلا يطرد بل يتم استبدال الرسوب بالمكافآت أو أي بديل آخر..

 والبعد الثاني للمشكلة التسرب.. وهذا أيضاً له أسبابه ولا بد من معرفتها والحد من مشكلة التسرب أيضاً لخطورتها على مجتمعنا.. خصوصاً أن الراسبين والمتسربين لا يملكون مهارات يتطلبها سوق العمل، وبالتالي فإن سوق العمل يلفظهم ثم يلجأون إلى طرق غير مشروعه للكسب، قد يكون منها المخدرات أو السرقة، وهاتان المشكلتان، المخدرات والجريمة، أشد فتكاً بالمجتمع من الرسوب والتسرب.

والمهم هنا في هذه المشاريع وبقية المشاريع الأخرى التي تشكل عوائق لنجاح التعليم العالي أن تأخذ في الاعتبار:

أولاً: سرعة تنفيذ هذه المشاريع وألا تقف البيروقراطية عائقاً للتنفيذ.

ثانياً: عندما تقدم تلك الدراسات النتائج العلمية التي تحمل لنا حلولاً مبنية على أسس علمية أن يتم الشروع في تنفيذ تلك الحلول ومتابعة تنفيذها في الميدان ومعرفة عوائق التنفيذ.