لا أعتقد أن قادة الخليج الذين حضروا قمة كامب ديفيد لديهم نفس أسئلتنا عن هذه القمة، إذ إنهم يعرفون لماذا تمت دعوتهم؟ ومَن هي الولايات المتحدة؟ وما الممكن والمأمول من أميركا عموما وهذه الإدارة خصوصا؟ ويعرفون أيضا وبوضوح ما حال العالم اليوم؟ وما توازناته السياسية والأمنية والاقتصادية؟ وما سياسات الجوار الإقليمي؟ وما الطموحات الباردة منها والحامية والبطيئة؟
قادة الخليج هم آخر من بقي يتحدث في الوطن العربي عن فلسطين والقضية الفلسطينية وحل الدولتين بما هو المتاح الوحيد الآن وبعد حين.
إن كل ما عرضه الإعلام الأميركي والإدارة الأميركية، من أحاديث وتقديرات لهذه القمة، أجمع على موضوع واحد وهو أزمة الإدارة الأميركية واستراتيجياتها بالانسحاب من المنطقة والدخول في صفقة مع إيران، عبر التفاوض الطويل الذي سمح لإيران بزيادة التخصيب والتوسع في الإقليم إلى حد التورط الذي أصبح معه الانسحاب الإيراني من مناطق التوسع أكثر كارثية من الاستمرار في النزاع، لأن إيران لا تملك تبريرا لكل ما أحدثته من فوضى في الدول والمجتمعات العربية سوى العداء للعرب والمسلمين، وإلا ماذا ستقول للجماعات التي انخرطت معها في ذلك الوهم؟ فإذا انسحبت إيران الآن للحد من الخسائر سيكون ذلك دمارا عليها في الداخل والخارج.
جاءت دعوة الرئيس الأميركي لهذه القمة بعد عشرين دقيقة من إعلان الاتفاق الإطار مع إيران في لوزان، وكانت الغاية منها هي محاولة من الإدارة الأميركية لتسويق الاتفاق لدى العرب والحفاظ على مصالحها معهم.
وعمليا هذا الاتفاق يريد خلاله أوباما أن يدخل التاريخ إلى جانب رؤساء أميركا التاريخيين، وقد ذكر منهم أوباما في حديثه بعد اتفاق لوزان، وهم كيندي ونيكسون وريجان، لأن أوباما هو في نهاية ولايته الثانية ولم يعد مرشحا لولاية جديدة.
إيران رحيمي تراهن كثيرا على نجاح أوباما بإقناع الجميع بالاتفاق، لأنها تريد أن تتخلص من العقوبات الدولية من أجل الحؤول دون حدوث ثورة اجتماعية اقتصادية بسبب العقوبات الاقتصادية التي أنهكت الاقتصاد الإيراني، إضافة إلى تراجع سعر البترول، المورد الوحيد لإيران، مضافا إلى ذلك الإنفاق الكبير للحرس الإيراني في النزاعات في الوطن العربي وغيره، من أجل تصدير الثورة لأسباب ميتولوجية تجعلها لا تسطيع الانتظار طويلا، وهي مهددة بالفشل والغباء في آن.
علينا أن نحاول الاستشراف في هذه المرحلة والتعرف مجددا على مشاكلنا وقدراتنا، وتحديد أصدقائنا وأعدائنا، والاستمرار في سياسة الحزم في كل الموضوعات، وليس بالضرورة بالقوة العسكرية، بل بالحزم في تحمل المسؤولية تجاه كل القضايا الوطنية والعربية والتحديات الإقليمية، على أن تتوزع المسؤولية على الجميع. فليس من العدل أن تتحمل دول الحزم في اليمن أعباء كل التحديات، من المحيط إلى الخليج، بل يجب أن تكون سياسة الحزم هي في أن تتحمل دول المنطقة العربية مجتمعةً عدم التهاون مع الأزمات القديمة والطارئة والمستجدة، وأن يتحمل المواطن العربي المسؤولية في الحفاظ على استقرار بلاده، وعدم الانخراط في الموجات العدمية المدمرة، مع احترام رغبته في أن يكون فاعلا ومفيدا لوطنه وأمته.
سنقرأ كثيرا عن قمة كامب ديفيد، ولكني على يقين أننا سنعرف القليل، لأن الاطلاع على البيان الختامي والموضوعات أو الوعود، كلها عمليات تبسيط للحظة بالغة التعقيد، وقد تشبه إلى حد بعيد يالطا بعد الحرب العالمية الثانية، وستسمع أميركا باهتمام لما يقوله العرب، وسيسمع العرب من أميركا كلاما واقعيا ورغبة في الشراكة.
لن يكون هناك معاتبات وملاحظات على ما شاب العلاقات الأميركية العربية من اهتزازات منذ انتهاء الحرب الباردة التي أنتجت الأحادية الأميركية المدمرة والمتنكرة لتحالفات الحرب الباردة، وبالذات الحلفاء العرب المسلمون وأوروبا الكاثوليكية.
الأمور غاية في الوضوح على مائدة كامب ديفيد، فأميركا ليست وحدها في هذا العالم قوة وخبرة وصناعة واقتصادا، وإن الأحادية كانت كارثية على أميركا أولا، والعالم الآن بدأ يحترق بالحرائق التي أشعلوها في الشرق الأوسط على مدى عقود طويلة، وهي اليوم تهدد مجتمعاتهم المستقرة أكثر من المجتمعات المأزومة والقادرة على التكيف مع الأزمات.
وأما الشعوب في دول الخليج والمنطقة العربية، فلم تعد مأخوذة بالنموذج الأميركي، وهي أقرب الآن إلى الصداقات الأوروبية على النحو الفرنسي. من هنا سيكون الحديث استراتيجيا وتأسيسيا، وسيكون له ما بعده.
والعرب إما أن يقبلوا بما يعرض عليهم من أميركا أو يرفضون، لأنهم في وضعية أميركا في الحرب العالمية الثانية عندما دخلت الحرب بعد أن كان الجميع منهكين، وهذا معنى الحزم وإعادة الأمل، وهو بين من استنزف في النزاعات سنوات طوال ومن دخل بالحزم في النزاع الآن. وهذا ما يجعل قمة كامب ديفيد الآن تشبه قمة يالطا قبل سبعين عاما.