الرياضة فن وأخلاق كما يقال، تسمو بها النفوس وتتواصل الشعوب، تنافس شريف للفوز وقضاء وقت ممتع لمن في الميدان ولمن يشاهد ويشجع خلف الشاشات أو في مسطحات الملاعب الخضراء. عن الساحرة المستديرة تحديدا أتحدث، كرة القدم من بين تلك الرياضات، والتي يفترض أن تكون تسلية بريئة ورسالة هادفة وسامية للمحبة والسلام.

عن "كامب ديفيد" و"عاصفة الحزم" كنت سأكتب هذه الجمعة، لكن هول ما رأيت بأم عيني وسمعته بأذني ووقفت عليه بنفسي - وليس نقلا وعنعنة - أجبرني أن أتحول لأكتب عن هذه الرزيّة والمصيبة البلية: التعصب الرياضي. لم أكن أتصور أن يتعارك الأخ مع أخيه، ويطلق الشاب المتعلم خريج أرقى جامعات العالم زوجته! وأن تقاطع الأسر بعضها من أجل التعصب لفريق كرة قدم! ما ستقرؤونه هنا أيها الأحبة ليست روايات من نسج الخيال أو سيناريو لفلم هوليودي أو قصصا يبدعها يراع أديب محترف، بل خطر داهم ربما يفوق أثره الطائفية المقيتة والعنصرية المقيتة. لا تستعجل أيها القارئ الكريم لتقول إنه خطاب متشائم أو شعور سلبي فو الله ما هو إلا وضع الأصبع على جرح نازف وطامة لا يجب أن نتجاهلها.

التعصب الرياضي دلالة تخلف وعلامة جهل ونذير شؤم، سأتحدث عن مواقف تختصر لكم فحوى الخطاب وجلل المصاب. بداية سنتحدث عما حصل بعيد نهاية المباراة الأخيرة بين الهلال والنصر، ما حدث بين أساتذة أكاديميين ومن يفترض أن يكونوا تربويين جامعيين حين بدأ الأمر بسبب تعصب كل لفريقه أن تبدأ الملاسنة مباشرة بعد دقائق من حوار أصله كان بسبب الاعتراض على نتيجة المباراة وتطور لأن تتم الاستعانة (بالعقال) من أجل إثبات صحة وجهة النظر، ثم زاد لتكون "العجرا" - العصا الغليظة - هي أداة الحوار! وتطورت أكثر ليتدخل بعض المشجعين لهذا النادي وذاك فلا ترى إلا دماء تسيل وملابس تمزق وشتائم تصم الآذان واستخدام كمية منها في قاموس لا يليق بجهلة متخلفين فضلا عن أساتذة يفترض فيهم الاستنارة، دخل معهم الرعاع في ذلك النقاش العجراوي. من أجل ماذا؟ كل ذلك بسبب التعصب المقيت.

نتحدث أيضا عن فيصل وسارة نواة تلك الأسرة الشابة التي لم يمض على تأسيسها أكثر من سنتين ونصف السنة أثمرت عن طفلة غاية في الجمال، وللأمانة فتلك أسماء مستعارة أكتبها لمن سمح لي أن أحكي القصة على وعد مني ألا أذكر الأسماء الحقيقية. دم فيصل أزرق كما يقول وسارة تعشق النصر منذ نعومة أظفارها، كلاهما تخرج من واشنطن ودرس في جامعة جورج تاون وفي العلاقات الدولية وإدارة الأعمال ويا للأسف! كان الطلاق لأول مرة قد حصل قبل أن تولد رنيم (ابنتهما الجميلة) بسبب نقاش حول الهلال والنصر وتعصب كل منهما لفريقه، وبعد تدخل العقلاء اشترط فيصل أن ترتدي شعار فريقه المفضل حين يذهب لبيت والدها لتعود معه لعش الزوجية! وقبلت على مضض ودون قناعة بعد أن أقسم ألا تعود دون تنفيذ ذلك! كان فريقه فائزا تلك المباراة، لكن هذه المرة اختلفت الأمور فقد كانت تحتفل مع صديقاتها بفوز فريقها، مما جعله نكاية في ذلك أن يقلب كل شيء في البيت لموج أزرق. هاجت وماجت وصرخت "هيا اخرج" ولم تقل "هيّا تعال"، فبدأت الشرارة فلا مكان لمشجع فريق مهزوم! لا يحتاج القارئ إن أمعن في التفاصيل لاعتقادي أنها معروفة والنتيجة قَسمُها ألا تعيش مع هلالي ولو انطبقت السماء على الأرض، بل ولن تكتمل فرحتها بفوز فريقها المفضل حتى تنفصل عنه! وهذا ما حدث حيث رمى يمين طلاق لا رجعة فيه، بل وأيمَانا تقشعر منها الأبدان وتنتفض منها النفوس السوية والعقول الراجحة!!

تدمرت هذه الأسرة الشابة في سويعات، ذهبت رنيم البريئة ضحية ذلك التعصب المَرَضي، وحين تذهب السكرة وتأتي الفكرة لن ينفع الندم، ولم يكترث والله بهما وطفلتهما وحياتهما التي انتهت لا الهلال ولا النصر. دعاني أحد أحبتي لمنزله لعشاء فلبيت الدعوة وحضرت المأدبة وحين التمّ شمل الجيران والأقارب استغربت عدم وجود اثنين من أكثر الناس مودة لصاحب "العزيمة" في السابق، أخذني الفضول وهمست له: "وش فيه"؟، فأجابني همسا أيضا: "أبدا خفايف مشيكلة بسيطة أحكيها لك بعد العشاء". أتدرون ما هي الخفايف؟ نقاش تطور لخلاف حول تعصب كلٍّ لفريقه وامتد ليشمل قطيعة بين تلك الأسر، وأرجو أن تلاحظوا أنه تعدى الخلاف بين المعنيين بهذا التعصب الرياضي المزعج ليشمل حظرا فرضه الجميع على أفراد أسرتهم ومنعهم من زيارة بعضهم وقطيعة استمرت عدة سنوات حتى الآن!

لم أستغرب تصريح معالي وزير الإعلام الشاب لوكالة الأنباء السعودية حول التعصب الرياضي والذي كان بمثابة دق ناقوس الخطر. نشكر له تلك المبادرة التي كانت إشارة البدء ليعمل المختصون على معالجة هذا الداء الذي بدأ يستفحل ليهدد المجتمع بأسره. وأضم صوتي لصوت الدكتور الطريفي وأقول: أدركونا أيها الأساتذة والوعاظ والآباء والأمهات.. أيها الكتاب والفاعلون في المشهد.. أيتها الأجهزة الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني.. يا مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني ويا وسائل الإعلام.. فمجتمعكم في خطر حقيقي اسمه التعصب الرياضي.