تتأثر الحركة السكانية ومعدلات النمو السكاني بعوامل عدة، وهي نسبة المواليد ونسبة الوفيات ومعدلات الهجرة، وهذا يصف العامل الديموغرافي "الذي يتضمن مجموعة من العناصر المتعلقة بالهيكل السكاني من حيث الزيادة أو النقصان، ومن حيث الكثافة أو التخلخل، وكذلك التوزيع حسب الهرم السكاني"، ويؤدي ارتفاع نسبة المواليد عن نسبة الوفيات إلى زيادة طبيعية في عدد السكان. ولدينا عدد المواليد في 2013 أكثر من ستة أضعاف عدد الوفيات للمواطنين، إضافة إلى أن ارتفاع معدلات الهجرة "الداخلية والخارجية" يسهم في التكتل السكاني بالمناطق الحضرية، ونمو المجتمع بزيادة غير طبيعية، ولا تقتصر الهجرة على الزيادة فقط، بل إنها تؤثر على التركيب النوعي والعمري للمجتمع.
لدينا تغيرات حدثت في المجتمع صاحبها كثير من المشكلات الاجتماعية، كالهجرات الداخلية التي تسببت فيما يسمى بـ"ترييف المدن"، فالحضرية ليست معيارا للتحضر دائما، وأسهم في ذلك كثير من العوامل الثقافية التي صاحبت أساليب التحضر وكرست إشكاليتها في المكونات الثقافية، كمشاكل عمل المرأة والبطالة بتصنيفاتها، وهذا أنتج حالات من الصراع الثقافي تزداد في الحدة والتأزم يوما بعد يوم، وهنا يترتب على الدولة الأخذ بأسلوب التنمية الصناعية، وتسييرها في حركة التصنيع المطرد، واستغلال نزوح السكان من الأرياف إلى المناطق الحضرية، بتصحيح المفاهيم الثقافية وتطوير الطاقات البشرية للارتقاء بالتنمية، إضافة إلى توجيه عملية الهجرة وضبطها وتنظيمها، وهذا يساعد في تلافي المشكلات الناتجة عن سوء التنظيم والمشاكل الاقتصادية المتزايدة.
ذهب "إميل دوركايم" في تحليله لزيادة السكان إلى أن الكثافة الديموغرافية تؤدي إلى كثافة أخلاقية، وهي التي تكشف في النهاية عن المعيار الحقيقي لحضارة المجتمع، وتحدد السبب الرئيس للتقدم الاجتماعي الذي يرتبط بتقسيم العمل، فالعلاقات الاجتماعية ترتبط ارتباطا شديدا بعدد المشاركين فيها، لأن "الحضارة تظهر ليس باعتبارها هدفا وإنما بوصفها مجالا يمارس من خلاله أفراد المجتمع وظائفهم الاجتماعية"، إلا أن البعض ينظر -حتى من المثقفين- إلى أن الزيادة السكانية تعد عبئا على الدولة، ولا ننكر أن الزيادة السكانية تتزامن مع بعض المظاهر المرضيّة للتوطين الصناعي، كالبطالة والجريمة والفساد ومشاكل الأحياء المزدحمة والأخرى التي تفتقد الخدمات، وهذا أمر طبيعي وناتج عن الانتقال إلى تنظيمات اجتماعية مختلفة، ولكنه من الواجب أن يكون هناك تنظيم صحيح، مصاحب للكثافة السكانية، يربط بين البناء السكاني والاقتصادي، واستغلال موارد المجتمع ومعدلات التنمية الشاملة إذا تمكنا من ربط الحركة السكانية بالحركة الاقتصادية، لأن نمو الأعمال وتقسيمها يؤديان بالضرورة إلى تقدم حضاري واجتماعي وثقافي.