أكتب هذا الأسبوع من واشنطن حيث تعقد أول قمة خليجية - أميركية، ومع أن المناسبة هذه المرة هي التشاور بشأن الملف النووي الإيراني، إلا أن الاستعدادات لها تعود لأكثر من عام مضى، وتتعلق بصفة أساسية بتعزيز العلاقة بين الجانبين في جميع المجالات، وليس الملف النووي فحسب. يعود الاهتمام الأميركي بالمنطقة إلى الحرب العالمية الثانية، حين أعلن الرئيس فرانكلين روزفلت في 16 فبراير 1943، في أوج الحرب، أن "الدفاع عن المملكة العربية السعودية أمر حيوي للدفاع عن الولايات المتحدة"، وهو موقف أعاد تأكيده في لقائه التاريخي بالملك عبدالعزيز بعد انتهاء الحرب.

وأكدت الإدارات الأميركية المتعاقبة الموقف نفسه، بصفة أو أخرى، وقامت بتوسعة نطاقه ليشمل دول مجلس التعاون كافة، والخليج العربي نفسه. ففي ما يُعرف بـ"مبدأ كارتر" قال الرئيس الأميركي كارتر في يناير 1980، إن الولايات المتحدة تلتزم بصد أي عدوان خارجي على دول الخليج العربية، مستخدمة جميع الوسائل الضرورية لذلك، بما في ذلك القوة العسكرية. وفي عهد خلفه رونالد ريغان تم توسعة نطاق هذا المبدأ ليشمل ضمان استقرار دول المجلس كذلك. وانطلاقا من هذا الاهتمام الأميركي تم إنشاء ما كان يُعرف بـ"قوة التدخل السريع" التي تحولت لاحقا إلى "القيادة المركزية" للقوات الأميركية في المنطقة، وقامت أميركا بتزويد دول المجلس بأسلحة متقدمة لتعزيز قدراتها الدفاعية وقادت تحالفا دوليا في 1990 لتحرير الكويت.

وليست العلاقة عسكرية وأمنية فقط، بل هي اقتصادية من الدرجة الأولى. فدول المجلس تمتلك نحو نصف احتياطي النفط في العالم، وخُمس احتياطيه من الغاز الطبيعي، ولذلك فهي قوة فاعلة في أسواق الطاقة. وترتبط عملات دول المجلس بالدولار الأميركي منذ عقود، وتحتفظ بمئات المليارات من الدولارات في استثمارات مالية في الأوراق المالية الحكومية الأميركية، فضلا عن استثمارات ضخمة في الاقتصاد الأميركي، وللشركات الأميركية دور كبير في دول المجلس، سواء في مجال الطاقة والبتروكيماويات أو تطوير البنية التحتية، أو الصناعة والخدمات.

ويكثر الحديث عن أن الولايات المتحدة لم تعُد بحاجة إلى المنطقة لأن استيرادها من النفط قد قل، وأنها قد تصبح مكتفية ذاتيا، بل قد تبدأ في تصديره خلال فترة قريبة، إلى غير ذلك من التكهنات. ولكن يجب أن نتذكر أن العلاقة الأميركية - الخليجية قد بدأت ونمت خلال فترة كانت أميركا من كبار الدول المصدرة للنفط، فالأمر لا يعود فقط إلى حاجة أميركا المباشرة إلى النفط الخليجي، بل أعمق من ذلك. فأمن واستقرار دول المجلس أساسيان لصحة الاقتصاد العالمي، وسيظلان كذلك في المستقبل المنظور.

ما هو الهدف من قمة واشنطن إذن؟ الهدف الرئيسي هو مناقشة تأثير الاتفاق النووي على المنطقة، وعلى وجه الخصوص تأثيره على مستقبل السياسة الإيرانية، وكيفية التعامل مع الاحتمالات المختلفة. ففيما يتعلق بالاتفاق النووي تحتاج دول المجلس إلى تأكيدات بأنه اتفاق شامل وقوي، ليست فيه ثغرات، وأنه سيكون من الممكن التحقق بشكل قطعي من التزام إيران بعدم تطوير سلاح نووي. والتأكد من أن أي مخالفة للاتفاق، أو عدم تمكين المفتشين من زيارة أي منشأة نووية، ستكون لها تبعات رادعة.

ومما يتعلق بالبرنامج النووي الأضرار البيئية المحتملة من جراء إلقاء النفايات النووية في مياه الخليج، أو في حالة وقوع حادث في أحد المفاعلات، خاصة أن بعضها يقع على خط الزلازل، ولا تبعد كثيرا عن دول المجلس، فمفاعل أبوشهر يبعد 200 كيلومتر فقط عن مدن دولة الكويت والسعودية. وأي حادث في أحد المفاعلات ستكون له آثار مباشرة على الحياة في دول المجلس.

ولا تقتصر الأخطار القادمة من إيران على البرنامج النووي، بل هناك تحديات أخرى لا تقل خطورة. فهناك خطر الصواريخ الباليستية التي طورتها إيران، فهي تشكل خطرا محدقا يتعين على دول المجلس التعامل معه.

ولكن التحدي الأكبر والعاجل هو كيفية التعامل مع تدخلات إيران في المنطقة، في دول المجلس وخارجها. فقد أطلقت إيران منذ قيام ثورتها في 1979 سلاح الفتنة الطائفية، وهو لا يقل فتكا عن أسلحة الدمار الشامل الأخرى كما نرى في سورية مثلا. وتمكنت من خلال سل هذا السلاح من السيطرة على عدد من الدول العربية، أو التأثير بشكل سلبي في سياستها وتوافق مجتمعاتها، كما نرى ذلك في سورية، حيث نتج عن تحالفها مع النظام السوري قتل مئات الآلاف من السوريين، وتشريد ملايين منهم، وتدمير مدنهم وقراهم. وفي العراق أنجزت إيران فرقة طائفية بين مكونات الشعب العراقي أفرزت تنظيم القاعدة في العراق ثم داعش. وفي لبنان شل حزب الله المتحالف مع إيران الحياة السياسية فيه، ودمر الاقتصاد اللبناني، وأسهم في تهجير مواطنيه، وزج به في حرب سورية. أما في اليمن فإن إيران تسعى منذ بعض الوقت إلى تثبيت موطئ قدم لها من خلال جماعة الحوثي وعلي عبدالله صالح، ورأينا كيف انتفضت إيران بعد أن بدأت عملية عاصفة الحزم، لأنها رأت فيها تهديدا لمشروعها.

فهل سيدفع الاتفاق النووي إيران إلى زيادة تدخلاتها في دول المنطقة، خاصة بعد رفع العقوبات عنها؟ أم أن أميركا ستستطيع التأثير على السلوك الإيراني؟

وبالطبع فإن الجميع يطمح إلى أن تقوم إيران بالتعديل من مواقفها وأن تصبح عاملا إيجابيا في استقرار المنطقة، ولكن ذلك بعيد المنال في الوقت الحاضر. وحتى في حالة تجدد الحوار مع إيران فإن نتائجه غير مضمونة، ما لم تنطلق دول المجلس من موقع قوة.

ولكن الموضوع الأهم في قمة واشنطن هو تعميق العلاقة بين دول المجلس وتوسعة نطاقها في جميع المجالات، في ضوء التغيرات التي شهدتها المنطقة، وذلك إرث يرغب أوباما أن يتركه لخلفه بعد سنتين.

كل هذه المواضيع وغيرها ستكون محل نقاش في القمة. وللحديث بقية..