أحد الزملاء في مجلس الشورى كان في دورة بإحدى الكليات العسكرية في الولايات المتحدة الأميركية، وقال لي إنه وبعد انتهاء مدة الدورة حان وقت الوداع استعدادا للعودة إلى وطنه الحبيب. وعندما ذهب ذلك الزميل إلى قائد الكلية لتوديعه، همس زميلي في أذن ذلك القائد وقال ربما أعود قريبا إلى أميركا وأراك لواء أو فريقا، فقال له ذلك القائد الأميركي، النظام لدينا يقضي بأن هناك تاريخا محددا للتقاعد يعرفه الجميع من الجندي إلى أعلى رتبة في الجيش الأميركي، ولذلك فأنا سأتقاعد بعد شهرين.

لم يُفاجَأ زميلي كما قال لي بالإجابة لأنه يعرفها، ولكنه تذكر أن لدينا من يتمسك بالرتبة والمرتبة والكرسي، وكأنه غريق يتمسك بقشة، ويطلب التمديد بعد التمديد، وتأتي الموافقة بعد الموافقة، مع أن الزمن تجاوز مثل هؤلاء وهناك من ينتظر مغادرتهم ليحل محلهم، وكم من مسؤول غادر وجاء مسؤول آخر بعده، فتحرك الساكن وتبدلت الأمور إلى الأفضل، بعد أن كانت جامدة جمود المسؤول السابق.

تمديد الخدمة للعسكريين في المملكة من ضباط وضباط صف وأفراد يتم في أضيق الحدود، أما القاعدة فهي الإحالة إلى التقاعد فور بلوغ سن التقاعد، على عكس المدنيين من وكيل وزارة أو هيئة وما في حكمه فما دون. والذين يتم التوسع في التمديد لهم بمناسبة ومن دون مناسبة، مع أن التجارب أثبتت أن الخلف غالبا ما يكون أفضل من السلف. ثم وهذا هو المهم، لماذا لا يعرف كل موظف مدني تاريخ تقاعده ويستعد لهذا اليوم ويترك المكان لغيره؟ وتكون هذه قاعدة معروفة للجميع كما في معظم دول العالم. والأهم من ذلك كله أن عجلة الحياة وبكل تأكيد لن تتوقف إذا تقاعد أحدنا، وعلى العكس التقاعد في الوقت المناسب فرصة ثمينة للتفرغ لأمور حياتية جديدة ربما لم تكن لتخطر على البال.

أما التقاعد بعد السبعين فإنه كارثة على المتقاعد وعلى العمل الذي كان يعتقد أن عجلته ستتوقف لو لم يكن موجودا على ذلك الكرسي، مع أنه بالكاد يضع نظارته السميكة على عينيه، ويده ترتجف من أمراض يحاول إخفاءها حتى عن الكرسي الذي يجلس عليه، والضحية هما الوطن والمواطن. ونسأل الله العافية.