لو أخذنا مصطلح منظمات المجتمع المدني كما هو بالمعنى المباشر للمصطلح، أعتقد أنه سيكون غريبا على كثيرين من مجتمعات العالم الثالث، وغير دارج لدى أفراد العامة، ولذا فإن هذه المجتمعات ستأخذ المصطلح وتقوم بتفكيكه كمحاولة بسيطة لسبر أغواره ومحاولة فهم كل كلمة فيه.

 فكلمة منظمة تعطي دلالة على التنظيم والعمل المؤسساتي البعيد عن الفردية والاجتهادات والفوضى وازدواجية الأدوار.

أما المجتمع فهي كلمة مباشرة ولا تحتاج إلى تأويل أو اجتهاد في معرفة معناها، فالمجتمع معروف بكل مكوناته: أفرادا وجماعات، والمجتمع المدني من المؤكد أن كلمة "مدني" هنا ضد العسكرية والرسمية التي عادة ترتبط بالحكومات.

فمنظمات المجتمع المدني إذا أخذناها بالمعنى المباشر تعني المحافظة على حقوق أبناء المجتمع وتسعى إلى المطالبة بها متى ما تعرضت للانتهاك من أي طرف من الأطراف الحكومية، خصوصا أن بعض أفراد المجتمع لا يكون لديه المعرفة والقدرة على المطالبة بحقوقه التي فقدها وتختلف الأسباب والمسببات لذلك.

إذن منظمات المجتمع المدني يفترض أن تسير في خط متوازن مع مؤسسات الدولة من أجل هدف واحد يصب في مصلحة أفراد المجتمع، لتوفير سبل الحياة الكريمة والمحافظة على حقوقهم ودعم عجلة التنمية لهذا المجتمع، للوصول به إلى مصاف المجتمعات الراقية التي تسودها المحبة والعدل والترابط كالبنيان الواحد يشد بعضهم بعضا.

وفي اعتقادي الشخصي، أن عدم تبلور فكرة منظمات المجتمع المدني لدى شعوب دول العالم الثالث، خصوصا بعض الدول العربية من أسباب تراجع وتخلف هذه المجتمعات وعجزها عن الوقوف والمطالبة بحقوقها في وجه الحكومات الدكتاتورية التي ظلت جاثمة على صدور هذه الشعوب حقبة زمنية طولية، وأن التنظيمات التي أسست خلال تلك الفترة ما هي إلا أحزاب سياسية ذات أهداف معينة ومحددة وجدت الدعم من عامة الناس، لأنهم يرون فيها الجهة التي ستقف في وجه التعسف والظلم والعدوان الذي تمارسه بعض الحكومات، ولكنها اكتشفت الحقيقة متأخرة، بأن هذه التنظيمات بعيدة كل البعد عن منظمات المجتمع المدني، وإنما هي ذات مصالح خاصة، ما أدى إلى تلاشي أحلام هؤلاء المغلوبين على أمرهم، وخير دليل على ذلك هو الثورات العربية التي وجد فيها ابن الشارع البسيط فرصة للتعبير عن نفسه والمطالبة بحقوقه بعد أن ضاقت به الأرض ذرعا إلا أن هذه الثورات لم تنجح في إيجاد مجتمعات مدنية يكون فيها الكل سواسية، لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات، لأنها قامت في دول أصبحت دولا عميقة تزاوجت فيها السلطة والمال.