لم يكن الإعلام الرسمي السعودي وخلال عقود مضت قادرا على أن يخرج من عباءة النمطية والتقليدية في تقديم نفسه وإقناع المتابعين بحسن ما يعرضه، فهو ما زال يعيش في أزمة مستمرة بدا أنها استعصت على الحل من فرط أن القائمين عليه من البيروقراطيين الذين يؤمنون أن العمل التزام بالحضور والانصراف أكثر منه تقنية ورقيا في المنتج، وهذا ما دفع كثيرين لمحاولة التأكيد أن أزمة الإعلام الرسمي السعودي باتت عصية على الحل، وبلغت من التعقيد ما ينوء به الحمل، الأمر زادهم اقتناعا أن لا حل إلا باقتلاع هذا الإعلام من جذوره وبنائه من جديد.

قد يكون التلفزيون السعودي هو المعبّر الأكبر عن حالة الإخفاق، ورغم أنه قد انتزع جزئيا من وزارة الإعلام ليكون هيئة مستقلة إلا أن من قاموا على إدارته هم ممن كانوا المعنيين به وهو في الوزارة، ليقع وسط البيروقراطية نفسها، تلك التي تمنع التقنيين وترفع من شأن الإداريين العاديين، ليدور في فلك المثل المحلي الدارج "تيتي تيتي مثل ما رحتي جيتي" ليهوي إلى إخفاق أكبر، وليستمر تلفزيوننا بجميع مكوناته وقنواته بلا معالم واضحة وبلا قدرة على المنافسة، بل بلا تعاطف محلي من فرط ضعف ما يقدمه.

كي تجذب الآخرين إلى مشاهدة ما تقدمه عليك أن تكون قادرا على تقديم الأفضل، أما المعلبات المنتهية الصلاحية التي ما فتئت تظهر فلن تعينه أبدا من خلال المذيعين أو المعدين الذين لا يرتقون للعمل بأي قناة تعتمد التقييم الصحيح للقدرات، ولعلي لن أكون ظالما في ذلك من خلال ما لقيته في القنوات السعودية التي تعاونت معها، فكيف لمقدم برامج لا يلقى القبول أن يستمر لسنوات، وكيف لمادة ضعيفة تستمر ولا يطالها التقييم، والأهم من عينوا بالإدارة، فهل الشللية هي القائد للعمل كما يتردد؟!

العلة ظاهرة، والإشكالات واضحة، ورغم احترامي الكبير للدكتور عبدالله الجاسر من خلال المهمة الجديدة التي عني بها كرئيس للهيئة إلا أنني لن أخجل من أن أقول إن الحال ستستمر، فهو أيضا قد قدم من رحم البيروقراطية التي أخرت إعلامنا عقودا طويلة، ونتمنى ألا يكون امتدادا لمن سبقوه، من أولئك الذين جعلوا الإعلام الرسمي بلا أهداف واضحة ودون استراتيجية مقنعة.

نقول للدكتور الفاضل عبدالله الجاسر نتمنى لك التوفيق، لكن جدير أن نقول إن تلفزيوننا قد خسر الكثير والكثير من جراء سوء تعامل إداري دفع المتميزين إلى الهجرة، وأبقى على من هو قادر على جعله في الصفوف الأخيرة هو الآن ينتظر إفاقة حقيقية تهزه من داخله تغيره، تجعله قادرا على المواكبة، إننا نبحث الآن عمن يعيد تعلقنا بقنواتنا الرسمية، لن ننفك نتفاءل، لكن نتمناك قادرا على إحداث التغيير المطلوب، من خلال الرؤية الدقيقة والجريئة التي تعيد ترتيب الهيئة من الداخل، فما يحدث لا يرضي أي منتمٍ لهذه البلاد، والأكيد أن إعادة ترتيب العمل والعاملين سهلة جدا، وليست بها متاهات معقدة وطويلة، فقط تحتاج إلى القرار واختيار المناسب في المكان المناسب.

لن نقف عند التلفزيون فقط وستكون لنا وقفات مستقبلية أخرى مع جهات إعلامية رسمية أخرى هي في محل التقهقر كما التلفزيون.