نحن في أمس الحاجة إلى شريك استراتيجي يوفر لنا تقنيات تحلية المياه المالحة، وتصنيع قطع غيار محطاتها، ويضمن لنا الجسر الآمن للسلع الغذائية الأساسية. ونحن في أمس الحاجة إلى تحالف اقتصادي يضمن سهولة تدفق مواردنا النفطية، وضخ المزيد من عوائدنا لإنشاء صناعاتنا التكميلية الأفقية والرأسية، وتوطين وظائفنا وتأمين مستقبل قوة عمالتنا التي ستفوق 15 مليون سعودي في عام 2020م.
نحن في أمس الحاجة إلى من يستثمر معنا في وطننا لمضاعفة عدد مدننا الاقتصادية وبناء المزيد من مجمعاتنا الصناعية وتطوير أعمال مؤسساتنا الصغيرة والمتوسطة التي تشكل 85% من قطاع خدماتنا. كما نحن في أمس الحاجة للشريك التجاري الذي يفتح أسواقه لصادراتنا غير النفطية وتوظيف مدخراتنا الاستثمارية.
السعودية في أمس الحاجة لعقد شراكات استراتيجية مع أكثر دول العالم كثافة للسكان، الممثلة في الصين والهند، والتي أصبح يطلق عليها اسم "تشينديا" المشتق من مجموع الأحرف الأولى باللغة الإنجليزية لهاتين الدولتين.
بعد 5 أعوام من اليوم تتجاوز الصين غريمتها اليابان كثاني أغنى دولة في العالم بعد أمريكا. وبعد 10 أعوام من اليوم تتربع الصين عرش أكبر اقتصاد عالمي عرفه التاريخ، على رأس قائمة جديدة من الدول العظمى، التي تضم الهند في المرتبة الثالثة.
وتدّل كافة الدراسات الموثقة، بما فيها التقرير الرسمي الأخير الذي أصدرته مؤسسة "يورومونيتر إنترناشيونال" في 6 أكتوبر الجاري، على أن المارد الصيني سيصبح أكبر اقتصاد في العالم بحلول 2020، وبناتج محلي إجمالي يفوق 28 تريليون دولار.
كما تتوقع هذه التقارير والدراسات أن الناتج المحلي الإجمالي في أمريكا سيتراجع للمرتبة الثانية ليسجل 22,6 تريليون دولار، بينما تقفز الهند للمرتبة الثالثة بقيمة 10 تريليونات، وتليها اليابان بقيمة 6 تريليونات، ثم روسيا وألمانيا والبرازيل وبريطانيا وفرنسا وأخيراً المكسيك.
للأسف الشديد لم يستغرق نجاح "الرأسمالية" وقتاً طويلاً، ففي منتصف 1929 جاءت كارثة "وول ستريت" المالية التي قصمت ظهر سوق المال الأمريكي، حيث خسرت الأسهم الأمريكية بنهاية العام ذاته 47% من قيمتها السوقية خلال خمسة أيام. ونتج عن ذلك إغلاق أبواب 100,000 شركة أمريكية وتقويض أصول 11,000 بنك أمريكي وانخفاض نسبة طاقة إنتاج 36,000 مصنع أمريكي إلى 54%، وتشريد 15 مليون عامل، لتصل نسـبة البطالة في أمريكا إلى 30%. وفي نهاية 2008 داهمتنا كارثة "وول ستريت" الائتمانية التي جرفت 25% من الناتج المحلي العالمي، وقضت على 10% من مدخرات البنوك العالمية، وأضافت 160 مليون عاطل جديد في أغلب دول العالم.
استفادت كل من الصين والهند من دروس هذه الأزمات العالمية، ولجأت فوراً إلى إحكام قبضتها على قواعد العولمة التجارية دون المساس بمكتسباتها الوطنية.
منذ انضمام المارد الأصفر لمنظمة التجارة العالمية في ديسمبر 2001، ووسط دهشة العالم بأسره، أخذت نسبة النمو الاقتصادي الصيني في التصاعد بشكل ملفت للنظر. في عام 2000 كانت نسبة النمو أقل من 7%، وارتفعت في 2010 إلى أكثر من 13%، ومن المتوقع أن تفوق 21% في 2020.
في نهاية الشهر الماضي صدر التقرير النصف سنوي للتجارة العالمية، الذي أشار إلى أن الصين والهند حققتا مكاسب صافية ضخمة خلال هذا العام على حساب أمريكا وأوروبا واليابان. فبعد أن كانت الصين تحتل المركز الخامس في الصادرات قبل انضمامها للمنظمة، استطاعت الصين، ولأول مرة في تاريخ النظام التجاري العالمي، أن تحقق خلال هذا العام المركز الأول في الصادرات والواردات معاً.
في الأعوام العشرة الماضية قامت الصين بترسية أعظم مشاريع المرافق الخدمية وإنشاء أكبر المصانع في العالم، إلى جانب اعتزامها إنشاء 150 محطة نووية لإنتاج الطاقة خلال العقد القادم. صاحب هذه الخطوات انتشار الوفود الصينية في دول أفريقيا ودول الجوار الصديقة لشراء معظم آبار النفط وبناء أكبر مخزون استراتيجي صيني للذهب الأسود عرفه التاريخ، وذلك لتخفيف اعتماد المارد الصيني على استيراد المواد البترولية التي فاقت 150 مليون طن سنوياً.
خلال نفس الفترة أبدعت الصين داخلياً وخارجياً في توظيف جهودها واستثمار عقول أجيالها في توجيه دفة النظام التجاري العالمي لصالحها. نجحت الصين في تخفيض نسبة الفقر بين صفوف مجتمعاتها من 73% إلى 32%، وقفزت قيمة صادراتها العالمية من المرتبة الرابعة عشرة إلى المركز الثالث بزيادة سنوية فاقت 20% وعائد مادي صافي وصل إلى 360 مليار دولار أمريكي.
في السنوات الثلاث الماضية حققت الاستثمارات المباشرة المتدفقة لأسواق الصين أعلى النسب في العالم، وساهمت في إيجاد 100 مليون وظيفة عمل جديدة لمواطنيها و100 مليون وظيفة أخرى جاهزة لاستقطاب خريجي الجامعات الصينية في العقد القادم. كما أنشأت الصين خلال العقد الماضي 865 مجمعاً صناعياً متكاملاً، وفتحت 212 جامعة علمية و2400 معهد صناعي، وأسست أعظم المشاريع الزراعية التي عرفها التاريخ.
بين ليلة وضحاها أصبحت أسواق الصين والهند مرتعاً خصباً للشركات العالمية، ومركزاً واعداً لصناعة الطائرات والسيارات والأجهزة والمعدات والقاطرات والمنسوجات والملابس وتقنية المعلومات.
السعودية بحاجة ماسة إلى إبرام عقد الشراكة الاستراتيجية مع "تشينديا".