لم أشأ أن أخوض في موضوع طائفي، لولا أنني قرأت مقالة الدكتور توفيق السيف في صحيفة الشرق الأوسط وهي المعنونة "بين هويتين"، وبقدر ما استمتعت كثيرا بتلك المقالة والرؤية الجميلة التفسيرية التي تحملها حول كيف تكون الهويات قبلية أو دينية أحيانا قاتلة وأحيانا تقود إلى الرقي والتآلف بين المجتمعات والشعوب.

كانت مقالة تحمل من العمق الكثير ولأشد ما أعجبتني تلك الفقرة التي يقول كاتبها السيف: "إذا جرى شحن الانتماء القبلي أو الديني أو المذهبي أو العرقي بمضامين سياسية، فإنه سيشكل قاعدة لتنازع مزمن"، لكن توقفت بعدها كثيرا وأنا أستعيد ما طرحه السيف قبلها بأيام قليلة، بل إلى ما وصل إليه من الحدة والبعد عن الالتزام بالمنهجية، وهو يوقظ الطائفية ويثيرها بين أفراد المجتمع الواحد.

فلم يكن من الحكمة أن يظهر الدكتور توفيق السيف بتلك الصورة المشحونة التي أراد من خلالها إثارة إخواننا الشيعة في المنطقة الشرقية، ضد جريدة اليوم عبر تغريدة له في تويتر ضمنها دعوات وتأليبا، تقرأ فيها غلبة الانفعال السريع على لغة العقل والحكمة، فجعل من نظرته التي لم يشك عاقل بتسرعها من المعصومات، وألبس رأيه بالمقالين المنشورين بلباس القدسية وعدم الخطأ، بل والقدرة على اختراق الحواجز والمعاني.. ليتهم الآخرين باتهامات طائفية بدا أنه لم يدركها إلا هو.

المقالان في جريدة اليوم اللذان كتبهما الدكتور عبدالله القفاري يخصان المتطرفين من الشيعة وكان بذلك جلي المعنى ورسالته واضحة، كما يكتب كثيرون عن متطرفي السنة وشرهم وخطرهم، سواء كانوا في الخليج أو أي مكان آخر.. لكن لأن الحصافة قد غابت فلا بأس أن تحضر الطائفية التي ترى في كل نظرة تحديا لها لتعبث بما بقي من فكر وتجعله دليلا ومعينا على ضرب اللحمة الوطنية وإيقاد كل ما يدعو لتباعدها.

السيف الذي كتب مقالا "ولا أروع" عن الهويات القاتلة في صحيفة الشرق الأوسط تخلى عن أدبيات الحوار الراقي البنّاء ليعوم في وسن الطائفية ويجعلها عنوانا لإثارة الشارع على صحيفة اليوم وكل من له علاقة بها، ولا أحسبه إلا تأكيدا للجزء الذي نقلناه أعلاه من مقاله.. وهنا لست بصدد تفنيد الرأي حسب ما جاء في المقالة أو بما فسره السيف لأن كثيرين أشبعوا الموضوع طرحا، لكن ما آلم الجميع أن عنوان احتجاجه خص التعرض للطائفة وكأنه عنوان للضدية هدفه إثارة الأنفس البسيطة.

لن أقول كما قال غيري إن الدكتور السيف كان متناقضا خلال أيام بسيطة، بل سأقول إننا عرفناك كاتبا متمرسا فكان من غير اللائق أن تدعو إلى طائفية، وتشدد على غوغائية ترمي إلى الفتنة والفرقة، لا سيما وأنك تعلم أكثر من غيرك أن الأحداث في الجوار والمنطقة تتطلب هدوءا أكبر من لدن أهل البلد الواحد.. لا إغراقا في المذهبية والحض على رفض الآخر ومقاطعته.

في الختام، ندعوك لأن تعود إلى هدوئك ورزانتك كما عهدناك، وأن تكون معينا لأجل ترسيخ مفهوم المواطنة الحقة والمحبة بين الشيعة والسنة في هذه البلاد، كما فسرت وفصلت في مقالك الجميل، والأهم أن لا تندفع خلف الدعوات التي ما برحت تنكسر وتتراجع من فرط جور تدعو إليه، وبالتأكيد أن الضحية في هذا الأمر هم البسطاء كحال أولئك الذين دعوتهم إلى رمي صناديق صحيفة اليوم.