دعونا نعود بالذاكرة قليلاً إلى الوراء لنتذكر البرنامج الشهير الاتجاه المعاكس الذي كان طابعه الصراخ والعويل، وهذا البرنامج بالتحديد -أعتقد أن الكل يتذكر- استخدم فيه كل أنواع السباب حتى انصرف عنه الكثير.
وما دعاني للاستشهاد بهذا البرنامج ما نراه اليوم على السواد الأعظم من الفضائيات من خلال برامج "التوك شوك" التي أصبحت تعج بالكثير من أناس تم فرضهم علينا، ما بين "ناشط سياسي" و"خبير اقتصادي" و"محلل عسكري". والقائمة تطول من أوصاف حلت عليهم من حيث لا يدرون، ولكنها أرزاق، ما علينا من ذلك، ولكن ما يعنينا نحن المتلقين أننا عندما نشاهد إحدى هذه القنوات نفاجأ بأحد هؤلاء وهو ضيف إحدى الحلقات ومعه آخر، ويتحول الحوار إلى وصلة من الردح، لأن أحدهم لا يدري شيئا عن موضوع الحلقة، فهو فقط جاء من أجل الظهور، حتى أصبحت معظم برامجنا تسير في درب الاتجاه المعاكس. لماذا أصبحنا نضيق ذرعا عند اختلافنا مع الآخر؟ لماذا نصاب بالصمم عندما نسمع من يخالفنا الرأي؟ ولماذا تتحول حواراتنا إلى معارك يُستخدم فيها كل ما هو مباح وغير مباح؟ البحث عن الحقيقة والرأي الأصوب في تناولنا للقضايا بات لا يشغلنا كثيراً! فما يشغلنا حقاً هو الانتصار لآرائنا وذواتنا إرضاء لكبريائنا وعدم اهتزاز صورتنا أمام متابعينا، والخوف من ألا نكون حديث المساء على المواقع الإلكترونية.
لا شك أن ثقافة الاختلاف وتقبل الآخر المختلف معنا في الرأي وصلا إلى حالة من التدني، بل إلى مستويات منحدرة. فكيف السبيل لخلق الوعي الإيجابي لمواجهة أفكار التطرف، وعدم إقصاء الآخر، بحجة إنني فقط من امتلك الحقيقة، وأنا فقط الذي أمتلك ناصية الاعتدال والرؤية المنطقية؟
لا شك أن الظرف الذي تمر به الأمة العربية يحتاج من مثقفينا وإعلاميينا توخي أقصى درجات الحذر والحيطة واليقظة مما يحاك لنا من مخططات تستهدف انقسام الأمة وشرذمتها، للأسف الشديد هناك قنوات تلفزيونية معلومة للكل سخرت برامجها لبث الفرقة والفتنة في أمتنا، وتستغل في ذلك بعض المغيبين من الإعلاميين مطية للوصول إلى مآربهم الخسيسة.