كما هو مقرر سيجتمع زعماء دول مجلس التعاون الخليجي مع الرئيس الأميركي في الحادي عشر من الشهر الجاري مايو 2015 في كامب ديفيد بالولايات المتحدة الأميركية لمناقشة ملفات شديدة السخونة تتعلق بالأوضاع في الخليج العربي بشكل خاص، وبالأوضاع العربية والإسلامية بشكل عام، في وقت يمر فيه العالم العربي بأزمات خانقة فرضتها الظروف التي مرت بالعالم العربي، وسلمت منها دول الخليج العربي إلا أن منطقة الخليج تأثرت بما تعرضت وتتعرض له دول المنطقة.. وزادت الملفات سخونة بالاتفاق (المبهم) بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران وكذلك ما تعرضت له اليمن من أحداث أدت إلى قيام عاصفة الحزم بقيادة المملكة العربية السعودية.
كل تلك الظروف فرضت على دول الخليج واقعا لا بد من أن تتعامل معه بحذر وحكمة وذكاء كي تجنب نفسها المآل الذي آلت إليه بعض دول المنطقة التي تعاني من ويلات الحرب والاقتتال والتشريد والخراب.
نحن نعرف تمام المعرفة الهوس الإيراني للسيطرة على منطقة الخليج بشكل خاص ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام، وهي تخطط لهذا الهدف منذ قيام ثورة الخميني في عام 1978.. وتصرف في هذا السبيل الأموال الطائلة والوقت الطويل وتعمل وتخطط وتستميل من تستطيع من قوى ومنظمات وأحزاب ودول ذات نفوذ.. وتتلون خططها وتختلف وتسير وتقف وتختفي وتظهر وتعمل كل ما تستطيع وتبذل كل ما يمكن بذله في هذا السبيل. وأصبح ذلك واضحا رغم ما ينكره حلفاؤها عبر خطبهم وقنواتهم التلفزيونية وإذاعاتهم المسموعة.. وساستها أن لا يكون لها حضور مباشر بل السيطرة بالوكالة by proxy حيث تقوم بزرع أحزاب ومنظمات موالية لها تملي عليها ما تريد من سياسات وخطط وقرارات وتأتمر تلك الأحزاب والمنظمات بأوامرها وتنفذا ما تريد من سياسات وتعرقل ما تريد من قرارات وسياسات أيضا والشواهد على ذلك واضحة في لبنان وما تحاوله في اليمن مع الحوثيين.. هذا أمر بات واضحا لدول المنطقة والخليج تحديدا والعالم أجمع..
وعندما وصلت الولايات المتحد ودول "الخمس زائد واحد" إلى الاتفاق الأخير توجست دول المنطقة من ذلك الاتفاق لأنها تعرف ماذا تريد إيران في المنطقة، ودول الخليج تخشى أن تبيعها أميركا إلى إيران عن طريق ذلك الاتفاق.. فالمراقبون يرون أنه لا يمكن الوصول إلى حل من دون صفقة معينة تعقدها إيران مع الولايات المتحدة الأميركية.. والذي زاد من توجس دول المنطقة خذلان الولايات المتحدة الأميركية لحلفائها من القيادات العربية في الدول التي تعرضت للربيع العربي والذين تخلت عنهم الولايات المتحدة بين عشية وضحاها..
وما هو المانع الذي يمنع الولايات المتحدة من عقد صفقة الاتفاق في موضوع الملف النووي على حساب دول المنطقة؟ هذا ما ستناقشه دول الخليج العربي في كامب ديفيد مع الرئيس الأميركي وتريد الشفافية المتناهية والوضوح حول تلك الصفقة، ومدى تأثر دول الخليج العربي سلبا منها.. لا نتوقع أن يؤول الأمر إلى فجوة عميقة أو البحث عن حليف بديل عن الولايات المتحدة الأميركية، لكن نتوقع أن يكون هناك نقاش شديد السخونة حول هذا الاتفاق، واختلاف في الرؤية وأن تطلب دول الخليج العربي رؤية مستقبلية شديدة الوضوح والشفافية حول الموقف الحقيقي للولايات المتحدة لكلا الطرفين: دول الخليج العربي وإيران.. والتصدي لأن يكون ذلك الاتفاق على حساب دول الخليج العربي ودول المنطقة بشكل عام..
هذا هو الملف الأول الساخن الذي سيناقش في كامب ديفيد.. الأمر الآخر هو مستوى التحالف في عاصفة الحزم ومدى تأثر هذا التحالف بالتقارب الذي يجري الآن بين الولايات المتحدة وإيران، وتأثير ذلك في موقف الولايات المتحدة الأميركية الذي سيؤثر حتما في مدى تحقيق عاصفة الحزم أهدافها.. المعادلة الصعبة هنا هي أن الولايات المتحدة ستحاول ألا يكون هناك من الأحداث ما يؤثر في الاتفاق النووي الذي تسعى إليه منذ سنوات وترغب بإلحاح في تحقيقه.. وبلا شك تعرف إيران مدى حاجة الولايات المتحدة الأميركية إلى تحقيق ذلك الاتفاق، ما يجعل إيران تنظر إلى هذا الاتفاق كورقة رابحة تلعب بها مع أهم حليف للسعودية ودول التحالف في عاصفة الحزم لتفرض بعض المواقف في عاصفة الحزم التي تكفل انتصارات من نوع ما للحوثيين في عاصفة الحزم كأن يُبعد خيار الحرب بالكامل ويُلجأ للحوار.. إذا تجاوبت الولايات المتحدة لمطالب من هذا النوع سيغضب حلفاؤها وإن لم تستجب ربما يتأثر الاتفاق النووي مع إيران.. هنا المعادلة الصعبة.
الحوار في كامب ديفيد لا بد من أن يتطرق لسورية والعراق كملفات ساخنة أخرى ولمصر وهو الملف الذي يبدو سهلا أو أقل سخونة نظرا لتحسن الأوضاع هناك أو كما يبدو أنها متحسنة.
وخلاصة القول إن اجتماع كامب ديفيد لن يكون سهلا نظرا لسخونة المنطقة وبالتالي سخونة الملفات التي تناقش فيه ولتضارب المصالح بين دول الخليج والولايات المتحدة الأميركية، ما يجبر كلا الطرفين على الحل الوسط Compromise لكل ملف بسبب حاجة كل طرف الشديدة لأن تبقى العلاقات ويبقى التحالف الذي مر عليه عقود من الزمن كما هو.