يعتبر الحديث عن الأيام في مسيرة الدول أمراً شبه مستغرب، إذ من الطبيعي أن تحتسب مسيرة الدول ونماؤها بالسنين والعقود والقرون.
غير أن 100 يوم مضت قد صنعت فارقاً واضحاً في مسيرة المملكة نحو الاتجاه إلى التجديد، حيث اتسم عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز منذ لحظاته الأولى بتمكين الأجيال الجديدة من خدمة الوطن في ظل رعاية الملك المنتمي للجيل الأول الذي عاصر تأسيس الدولة السعودية الثالثة في كافة مراحل وتفاصيل نموها منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز، وعهود كافة الملوك الراحلين: سعود، وفيصل، وخالد، وفهد، وعبدالله.
ما يعني أن عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز يقترب أن يكون التحقيق الفعلي لمرحلة تاريخية جديدة في الدولة السعودية، في ظل وجود السمة السعودية الثابتة التي ميزت المملكة في كافة عهودها السابقة، وهي الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فانتقال السلطة فيها من ملك إلى آخر يتم بسلاسة، يسير فيها كل ملك على نهج أسلافه مع وجود بصمته الخاصة المتعلقة بالتنمية.
ويجب أن نتذكر التاريخ ووقائعه لنتعرف إلى أن المملكة العربية السعودية قد مرّت بفترات عصيبة خلال العهود السابقة نتيجة ظروف تاريخية وسياسية تجاوزتها بأمن وسلام، وهذا ما يجعل الشعب السعودي مطمئنا باستمرار هذه السياسة في ظل مستقبل جله الاهتمام بالتنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لا سيما أن النظام السياسي وسلاسة انتقال السلطة تغلق احتمالات وجود أي فراغ سياسي، وهي السمة التي ميزت هذا العهد أيضاً من خلال معيارين مهمين في الاختيار، وهما الكفاءة والشباب، فقد بدأ عهد الملك سلمان بعدد كبير من القرارات التي هدفت إلى إرساء استقرار الدولة وتخليص مؤسساتها من البيروقراطية من جهة، وتطوير أداء الوزارات والمصالح الحكومية من جهة أخرى، خاصة أن الشعب السعودي اليوم يعيش بين جيلين شابين يديران الدولة باقتدار، فبتعيين الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز ولياً للعهد، والأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولياً لولي العهد، أصبحت قوة الشباب وطموحه ورؤيته سمة للعهد الجديد الذي بدا فيه أن المملكة تعيش اليوم فعلاً مرحلة جديدة لا يمكن معها تجاوز القول إن الملك سلمان اليوم زعيم قوي لدولة سعودية قوية.
إلا أنه لا بد من الشفافية بالقول إن المملكة تعيش اليوم عدة تحديات يجب أن تكون في الحسبان، فالخطر الخارجي المتمثل في التوسعات الإقليمية والتحركات الإرهابية والجماعات السياسية أعطى نوعاً من الاحتراز بتأمين حدود الوطن الخارجية، وكذلك حدوده الداخلية أيضاً، فخطر الإرهاب ما يزال قائماً.
كذلك فإن مسيرة الإصلاح والتنمية يجب أن تأخذ طريقها الفعلي أيضاً، الإصلاحات الإدارية والسياسية التي تمت خلال العهود السابقة مهمة وأساسية، ويمكن البناء تراكمياً عليها، لكنها غير كافية في هذا الزمن الذي نعيش في العديد من التحولات الحضارية المتسارعة، والتي جعلت من سهولة التواصل والاتصال التقني طريقاً إلى المقارنة المجتمعية والسياسية والتنموية بين بلادنا والبلاد الأخرى، وخاصة تلك الأكثر تقدماً.
وعلى هذا الأساس يمكن القول إن التزام طريق الإصلاح والتنمية هو ما يجب أن يمثل سمة المرحلة القادمة، فلدينا أولويات تتعلق بالإصلاح المجتمعي تنتظر الأولوية، ومن ذلك ما يتعلق بضرورة وجود "خيارات" في البيئة الاجتماعية السعودية تقوم على رفع مستوى الحريات العامة المتوازية مع الأنظمة والقوانين من جانب، ومن جانب آخر إقرار نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية (المجتمع المدني)، فنحن أحوج ما نكون اليوم إلى وجود مجتمع مدني يعزز من المواطنة التي تحركها تفاعلية مؤسسات المجتمع المدني، والتي تقف درعاً واقية أمام أي محاولات لاختراق المجتمع والدولة في آن، انطلاقاً من كون الوطن أولاً.
لكن يجب الاعتراف بأن وجود مجتمع مدني في ظل بنية تحتية تحتاج للمزيد من الدعم، فالبنية التحتية فيما يتعلق بالخدمات ما زالت أقل من المستوى، والذي نحلم به أن تكون البنية التحتية في المدن الصغرى هي ذاتها في المدن الكبرى على الرغم من النواقص التي لم تكتمل، ومنها شبكات خطوط النقل العام، حيث ما زالت "الخيارات" محدودة في ظل زيادة سكانية كبيرة يعيشها المجتمع السعودي، ما يعني أن تحديات التنمية المرتبطة بالكم والكيف والزمن أمر لا يمكن إلا التفكير فيه.
بقي القول إنه إذا كانت مرحلة "الشباب" سمة المرحلة الراهنة في الدولة، ويمكننا ملاحظة ذلك من خلال مجلس الوزراء، فإنه يفترض أن ينعكس هذا الأمر على بعض مؤسسات الدولة والحكومة الأخرى التي تعاني ترهلاً واضحا، ومن ذلك عضوية مجلس الشورى السعودي التي هي بحاجة إلى ضخ الدماء الشابة فيها لتطوير دور المجلس وفعاليته ليرتقي أن يكون دوراً تشريعيا (برلمانيا) لا استشاريا فقط.
إن الأمل الذي يحدونا بمرور 100 يوم صاحبها أهم القرارات، هو أن يستمر هذا الأمل بوجود دولة فتية ومجتمع شاب ومنفتح على حضارات هذا العالم الذي نحن جزء لا يتجزأ منه.