لقد اندفعت الآلة الجهنمية للنموذج الداعشي باتجاه اختراق المجتمعات السلمية، وتحويلها إلى لعبة عبثية لصراع عنفي دموي مسلح، بين تلك الآلة الجهنمية وبين الأفراد من الشعوب العربية باسم الدين.
الدين، في الواقع، هو اتصال بالله، وتقدير الذات لدى الإنسان الذي لم يعثر بعد على ذاته، أو أضاعها. ولكن النموذج الذي يتبناه الكثير بيننا اليوم، ومن حولنا وبالقرب منا، ليس إلا التجهيل والتشويه ونشر خطاب ظلامي متخلف بطريقة وبائية تخدم هدفا بعيدا لتشويه العقل المتدين بطريقة ما.
الفرد السعودي اليوم ليس كائنا مجردا يسكن في مكان ما خارج العالم. بل هو يؤثر ويتأثر وهو يبحث عن النموذج المتدين لأنه مفطور على الدين وعلى الخطاب الديني بكل سياقاته. ولهذا هو الأكثر تأثرا.
إن مهمة الوعي اليوم سياسيا كان أو اجتماعيا أو دينيا أن يُقيم حقيقة ما يُسمع ويُرى، وحقيقة الدين الصحيح. تلك مهمة المجتمع والدولة، حتى لا يحدث المزيد من الوعي المقلوب والعكسي والمضطرب والهجين. وحتى لا تخرج نماذج أخرى من "داعش" الأسرع انتشارا، والذي أصبح أتباعه بالملايين، النموذج الذي يتوسع في صور ووجوه مختلفة.
النموذج الداعشي اليوم يمكن أن إيجاده بسهولة في مكان، ربما في بيوتنا، أو مدارسنا، شارعنا، مسجدنا، أماكن عملنا -والسؤال وحتى لا يتكاثر النموذج- هل يوجد نموذج اتفاقي لشكل الإنسان المتدين؟ وما الذي يجب أن يكون عليه في القرن الـ21، بحيث نركز الجهود للوصول إليه؟
الحقيقة أن هذا النموذج لم يوجد في أي فترة من تاريخ الإسلام إلى الآن. كلنا يعرف أن هذا النموذج الاتفاقي لن يوجد قط دون تكفير الجماعات المخالفة وإخراجها من الإسلام. والنتيجة عدد كبير من النماذج المتنافسة إلى حد الصراع الدموي، كل منها يدعي أنه صحيح الإسلام، كل نموذج يرى نفسه المُعبر الأوحد عن الإسلام الحقيقي، والحقيقة أنه حتى الآن لم نجد، ولن نجد، أنموذجا يتفق الجميع على أنه يمثل الإسلام، وبالتالي حتى لو توافرت الإرادة والقوة الدافعة سياسيا ومجتمعيا، فلن نجد غاية نتجه إليها.
إنه دون وجود منظومة أخلاقية كمقياس مطلق، يصبح كل شيء نسبيا، وكل شيء مسموحا، وتكون القيم مجرد أنماط سلوكية متأصلة نتيجة تطور الجنس البشري بيولوجيا واجتماعيا. ولهذا فإن مواجهة حقيقة نموذج "داعش" بالدرجة الأولى هو نزع لقناع الاستلاب الذاتي في أشكاله المقدسة ظاهريا المشوهة باطنيا.