"أبلغت مجلس الأمن أن انهيار العملية الانتقالية لم يكن بسبب تقصير من أحد الأطراف، بل كان نتيجة لأخطاء متراكمة وحسابات خاطئة بدرجات متفاوتة لجميع الأطراف.. وأن الأطراف اليمنية المتصارعة كانت قاب قوسين من التوصل لاتفاق سياسي يقضي بتقاسم للسلطة في البلاد".

هذا ما قاله مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن السيد جمال بنعمر، الديبلوماسي المغربي الذي كان "مستشارا خاصا للأمين العام للأمم المتحدة لشؤون اليمن"، ما بين أبريل 2011 - أبريل 2015م، والذي قاد الوساطة بين نظام علي عبد الله صالح، وشباب الثورة اليمنية وقوى المعارضة في بداية الأزمة في اليمن، ثم رعى الحوار السياسي بين حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، والأحزاب السياسية من جهة، وجماعة الحوثيين من جهة أخرى، إلا أن مهمته بائت بالفشل الذريع، لتدخل اليمن في حرب أهلية، فقدم على إثر ذلك استقالته من مهمته الدولية الفاشلة.

وهكذا انتهت حكايته، وأنهى بنعمر "ضعيف الشخصية" مهمته في اليمن بكارثة سياسية وإنسانية، ليخرج علينا محملا المسؤولية أطرافا كثيرة هنا وهناك، وملقيا باللائمة شبه الكاملة تقريبا على استمرار عمليات "عاصفة الحزم" العسكرية، ومن بدع القول أن يقول بن عمر: "إنه قد تم التوصل إلى توافق أساسي على العناصر الجوهرية لاتفاق قبل تصاعد الصراع في الشهر الماضي عندما بدأ تحالف تقوده السعودية شن ضربات جوية على الحوثيين"..!!

وأتساءل عن أي اتفاقات يتحدث "بن عمر" وقوات ميليشيات "الحوثعفاشية" كانت ولا تزال تتحرك على الأرض وتهاجم المدن، وتفجر المساجد، وتحتجز الرئيس الشرعي، وتعتقل أعضاء الحكومة الشرعية؟!

هل يظننا السيد بنعمر سُذّجا إلى هذا الحد مثلاً؟ أين كان السيد بنعمر عند سقوط عمران، وحصار صنعاء، واستيلاء الحوثيين على مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية؟! لماذا لم نره يرفع عقيرته محتجا على ممارسات قادة التمرد عاليا وقتها؟!

الإجابة الكاملة تكمن في رأس بنعمر نفسه، لكنه لم يفطن إلى أن بعضها قد تبعثر عليه وهو يتنقل بين مجالس المتمردين في صنعاء!

لا أريد القول بأن الرجل لم يرغب في النجاح على المستوى السياسي الدولي، لكنني أظن أن الرجل تخلى عن منطقة الحياد التي كان عليها خلال السنوات التي قضاها بين أروقة صنعاء.

وكم كنت أتمنى أن يأخذ السيد "بنعمر" منذ البداية بالوصايا السبع التي نشرها صديقنا وزير الثقافة اليمني السابق الأستاذ "خالد الرويشان" في مقالته "خطاب مفتوح إلى جمال بنعمر.. الوصايا السبع" بتاريخ "31/ مارس / 2013م"، من أجل المساعدة على إنجاز مهمته على أتم وجه، قائلا له: الوصية الأولى: يجب أن نتذكر دائما أن اليمن أقدم دولة في الجزيرة العربية.

الوصية الثانية: يجب ألا ننسى أن المشهد السياسي الراهن في اليمن مدين بالدرجة الأولى لدماء الشباب الثائر في ساحات التغيير.

الوصية الثالثة: يجب أن نتأمل العالم ونتعلم.. فالمواطنة المتساوية قيمة عظيمة وقد وحدت شعوبا وقوميات متباينة في أوروبا.

الوصية الرابعة: إن السم يظل سُما حتى لو كان في أكواب من ذهب! الوصية الخامسة: ليت أنك وأمانة مؤتمر الحوار نظمتما حفل تعارف طويل بين أعضاء المؤتمر قبيل افتتاحه ولأيام!

الوصية السادسة: مَنْ زرع حصد.. والتاريخ يعلمنا أن حل مشكلة معينة بطريقة خاطئة.. سيُفضي بالضرورة إلى مشكلات أكبر في المستقبل.. وما نظنه حلا قد يصبح لُغما موقوتا.. ولو بعد حين! والحليم بالإشارة يفهم!

الوصية السابعة: يجب ألا ننسى أن السياسة عابرة، والأرض باقية، وأن السياسيين المتحذلقين إلى زوال مهما طالت بهم الأيام".

"الرويشان" يعرف خفايا وأسرار البيت اليمني، وسقفه وأمانيه وثقافته وتاريخه، ليس من الكتب والمطالعات بل من أصل المكان وأصالته، ولو كنت في موقع "بنعمر" لسارعت بتشكيل لجنة مستشارين من داخل وخارج اليمن يتقدمهم "الرويشان"، فهذه الوصايا السبع كانت لتكون كفيلة بنجاح أعمى بين المبصرين، لكن الحقيقة التي لا مناص من الاعتراف بها هي ضعف قدرات ومهارات بنعمر السياسية أمام حجم الملف اليمني المعقد، حتى بات محل سخرية وتندر الشارع اليمني ونكاته في الداخل والخارج. وهو اليوم يبحث لنفسه عن مخرج يحفظ ما تبقى من ماء سمعته السياسية إن كانت ما تزال موجودة.

لا أحمل بنعمر الفشل كاملا، فالأمم المتحدة ذاتها تتحمل جزءا كبيرا من الفشل، يتمثل في سوء تقديرها للشخصية اليمنية، إذ كان من المفترض أن تناقش اختيار شخصية مبعوثها بناء على نوعية مهمته ووجهته، لا أن تتكئ على قوة نفوذها الدولية، وهذا من وجهة نظري من الأخطاء الفادحة التي ترتكبها الأمم المتحدة في حق الشعوب وحق مبعوثيها الدوليين. واليمن وجمال بنعمر مثال.