ليس دفاعا عن المدارس وعن التعليم، لكنني أضع تساؤلات أمام التقرير الذي عرضته جريدة الاقتصادية في عددها ليوم السبت الموافق 3 مايو 2015، إذ قالت "إن استطلاعا للرأي أطلقته حملة السكينة المتخصصة في التصدي للأفكار المنحرفة التي تؤدي إلى الغلو، وضحت أن أكثر مكان يتعرض فيه الشباب للأفكار والتأثيرات الفكرية هو المدرسة، بنسبة تصويت من المواطنين بلغت 67.57% من المشاركين في الاستطلاع". وحمّل التقرير وزارة التعليم "المسؤولية في زراعة الأفكار المعتدلة، وتكاتف المنزل والمسجد في دعم حماية الأبناء من الانحرافات الفكرية، وضرورة تركيز الوزارة على إشباع الطلبة بالوسطية والاعتدال".

وأضاف التقرير المنشور في الاقتصادية أن "15.58% من السعوديين يؤكدون أن معظم التأثيرات الفكرية تأتي من المنزل، في حين يرى 16.68% أن الأفكار التي يتأثر بها الشباب واردة من المساجد".

التساؤلات التي أضعها هنا تتعلق بمنهجية البحث والأدوات المستخدمة فيه. ويبدو أن أداة الدراسة هنا هي استبيان أجاب عنه مشاركون أتساءل عن مدى امتلاكهم معلومات دقيقة حول مساهمة التعليم بهذه النسبة الكبيرة "67.57" في تغذية أفكار الطلاب بالإرهاب.

لا أنفي المساهمة ولا أثبتها، لكنني بكل تأكيد أشك في أن المشاركين يمتلكون شواهد وأدلة وأمثلة على ما قالوه في هذه الدراسة. في ظني أن مثل هذه الدراسات التي تعتمد على استبانات تتطلب من المشاركين ليس رأيا وإنما معلومات، إنها دراسات مضللة، بل أيضا تعطي انطباعا سلبيا  للآخرين عن تعليمنا.

لا يمكن أن يسهم التعليم في هذه المشكلة بهذه النسبة الكبيرة. هذا انطباعي ولا أملك معلومات دقيقة.. مرة أخرى ربما يسهم التعليم وربما لا يسهم، لكن كيف نعرف؟ نعرف عن طريق دراسات تتبعية LONGITUDINAL STUDIES تقوم على طريقتين: من القمة إلى القاعدة ومن القاعدة إلى القمة.

هذا النهج يتضمن الاختلاط مع الأحداث ومسايرتهم في كل تصرفاتهم بطرق علمية مخطط لها، يتم بذلك التعرف على كل ما ومَن يحيط بهؤلاء الأحداث في محاولات للتعرف بزاوية 360 درجة على حياة الأحداث وما يلفها من مخاطر.

ليست نظرة سوداوية كما يتصور البعض أن نقول إن الأحداث هم ضحية محاولات شرسة ومنظمة وقوية لدفعهم إلى هاوية الفكر المنحرف.

واجبنا كمجتمع أولا حماية مجتمعنا من الفكر المنحرف.

لا بد أن نعمل ووفق المستجدات في مجال البحث والدراسات للتأكد من وضع كل شبابنا على الطريق الصحيح، بدلا من أن يصبحوا سلبيين، عبئا على أهلهم، ومجتمعهم، ووطنهم.

نعرف جميعا أن أغلى وأنفس ثروة يملكها الوطن هم شبابه، وأفضل إنجاز يعتز به الوطن أن يستثمر هذه الثروة لتنتج مواطنين منتجين يعملون على خدمة بلادهم، وتطوير مجتمعهم. هذا الأمر يحتاج إلى جهد كبير، جهد علمي منظم، نستخدم فيه آخر طرق وأساليب الدراسات "التتبعية" التي تعطينا حقائق نبني عليها قراراتنا وخططنا واستراتيجياتنا وننجح بإذن الله.

لا بد أن نعمل وبطرق علمية في وضع كل فرد من المجتمع "قدر الإمكان" في قطار المواطنة الصالحة ليكون إيجابيا منتجا.

وخلاصة القول: أظن أن هذه النسبة الكبيرة التي خرجت بها علينا هذه الدراسة لا تكشف الحقيقة بسبب النسبة الكبيرة التي نتجت ربما عن استخدام أداة غير مناسبة لهذا النوع من الدراسات.

هذه الأداة لا تطلب معلومات عن المشاركين أنفسهم بل تطلب معلومات يفترض أن تكون لدى المشاركين عن آخرين

وهم الطلاب"، ويملكون شواهد وأدلة وأمثلة على صدق تلك المعلومات التي أدلوا بها.

إنني هنا أنادي أن تكون لبعض الدراسات أدواتها المناسبة للموضوع الذي ندرسه، لأنه تبنى على تلك الدراسات سياسات وخطط، وتتخذ بناء على نتائجها قرارات. ثم إن لمثل هذه النتائج تشويه لمجتمعنا وتعليمنا. ليس دفاعا عن التعليم، بل دعوة للتأكد من الأسباب الحقيقية سواء كان الأمر يتعلق بالتعليم أو غيره. الذي آمله من مراكز البحث والباحثين وزملائي الأكاديميين، أن يتنبهوا إلى هذا الأمر الذي يجعلنا نثق في دراساتنا التي نقوم بها.