يحسب لكشف حساب هيئة البيعة الأخير، أنها تعاملت مع ما حدث في كواليسها بمصداقية ووضوح، وأنها أيضا كشفت لهذا الشعب الكريم ما حدث في داخلها بكل شفافية. سأقول اليوم بكل صراحة إن "الإجماع" المكتمل على أي فكرة أو قرار أو مشروع ليس إلا "طوباوية" مستحيلة. نحن حتى في إطارات أسرنا الصغيرة نختلف حتى حول التفاصيل الصغيرة، فمن هو الذي سيظن لزمن قصير من غمضة عين أن نيفاً وأربعين شخصاً من داخل هذه الأسرة الكبرى الكريمة سيذهبون للإجماع الكامل على مثل هذه المسائل الوطنية الجوهرية. سأقول فيما يلي ما تمليه أمانة الكلمة ومسؤولية حمل القلم: أولاً: لابد أن نرفع "العقال" لكل من صوت حول هذا القرار السيادي، ومع هذا سنصدق لهم القول حين نقول أيضاً إن هذا الشعب الكريم قد قرأ بعناية نهاية كشف الحساب، نحن أمام خمسة وثلاثين "ضرساً" أساسياً من أبناء وأحفاد إمامنا المؤسس الذين بادروا بالموافقة في مقابل ستة أو سبعة "أنياب"، وهذا الإحصاء وحده يكفي لأن نفهم جميعاً أن ما حصل في كشف حساب هيئة البيعة يمثل أزكى نسب الديموقراطية.

ثانياً: سأقول اليوم بحس وطني أمين مؤتمن لكل المختلفين مع كشف الحساب إننا، شعباً وقيادة، مواطنين وأسرة ملكية كريمة، نعيش سواسية في المركب الواحد ذاته الذي بنيت ألواحه قبل أكثر من 120 سنة. الاختلاف مفردة لغوية واضحة الجذر والمعالم ولا يجب أن تصل أبداً أبداً إلى مصطلح "الخلاف" لأن لغة العقل وتغليب المصلحة العليا يستدعيان أن ينظر كل فرد سعودي، أميراً أو مواطناً إلى حجم خسائره أو مكتسباته عند حدوث أي ثقب صغير في هذا المركب.

سأقول أخيراً ما يمليه ضميري في رسالتي الواضحة لكل المختلفين مع كشف حساب هيئة البيعة: لقد غرق بنا هذا المركب من قبل مرتين. وفي الأولى استعادنا إمامنا العظيم، تركي بن عبدالله ولا زلنا حتى اليوم نحتفي بسيفه الأسطوري. في المرة الثانية من إغراق طوفان الخلاف، ظهر لنا فجر الإمام المؤسس عبدالعزيز، ولعل من أغرب ما قرأت في حياتي أننا احتجنا ثلاثا وأربعين غزوة ومعركة حتى استطاع هذا الملهم الاستثنائي أن يصل إلى اليوم الوطني الأول، وهو رقم للمفارقة يقترب أو يساوي كشف حساب هذه الأسرة الكريمة المنضوية تحت نظام هيئة البيعة. ولكل هؤلاء سأقول إن مركب الألواح القديم يبنى اليوم من الفولاذ الذي يقاوم عواصف المطر والريح. غدا سأكتب رسالتي الواضحة الصريحة إلى المحمدين.