ليست الصحافة الفرنسية الوحيدة المشغولة بالتغيرات التي حدثت في البيت الداخلي السعودي، فالغربية عموما ولا سيما الأميركية والإسرائيلية والإيرانية تشارك نظيرتها الفرنسية هذا الانشغال الذي بدأ منذ عاصفة الحزم لتعلو وتيرته مع كل خطوة جديدة تتخذها المملكة بمعزل عن الدوافع المتفارقة لكل واحدة منها.

الهسيس بدأ منذ وفاة الملك عبدالله، حيث توثب الجميع لالتقاط ملامح خلافات داخلية في الأسرة المالكة، ما لبثت أن أطفأتها، على خلاف التوقعات والأمنيات لدى البعض، العملية الانتقالية السلسة للسلطة إلى الملك سلمان بن عبدالعزيز، ثم باغتت المملكة الجميع وعلى رأسهم راسمو القرار العالمي بالوثبة المفاجئة "عاصفة الحزم"، ثم القرارات والتعديلات الملكية الأخيرة.

هل السعودية هي الثقل العربي الجديد؟ هل التعديلات الوزارية الأخيرة دليل على استراتيجيات سعودية ومفاجآت جديدة ستغير مصير المنطقة؟ ألا يتوجب على فرنسا كسب المارد العربي الصاعد؟ كيف يعيش السعوديون؟ أسئلة كثيرة باتت تشغل الرأي العام العالمي الذي بدا وكأنه يكتشف للمرة الأولى وجود شبه جزيرة عربية أخرى غير تلك التي قدمها لجمهوره على شكل خزان نفطي، وسوقا استهلاكية مطموع بها لتصريف الابتكارات التكنولوجية للغرب، وامرأة سعودية أقصى أحلامها قيادة سيارة في دولة  مترامية الأطراف.

لقد استعاد فرانسو هولاند حسه السليم للزمن، هكذا كتبت صحيفة ليبراسيون الفرنسية واصفة زيارة الرئيس للمملكة العربية السعودية لحضور مؤتمر التعاون الخليجي في توقيت مهم بالنسبة إلى فرنسا كما للعالم العربي وسابقة تعتبر تحولا تاريخيا في العلاقات بين البلدين، فالرجل بالنسبة للصحافة الفرنسية يتصرف بشكل ذكي من حيث توطيد علاقاته الديبلوماسية والاقتصادية مع المملكة، لا سيما بعد عاصفة الحزم بشكل رئيسي وبشكل فرعي بعد الانفراج الذي حظيت به طائرات رافال المتطورة والمرتفعة الثمن، من دون أن تخفي بعض وسائل الإعلام قلقها من وجود بعض السعوديين في صفوف التنظيمات المتطرفة في سورية ومن مآلات الحرب السورية كما تسميها.

لقد قوى الملك سلمان مركزية السلطة في المملكة في وقت هي أحوج فيه إلى ذلك حيث تتربص إيران بها عبر اليمن المهددة بالتفكك في الجنوب، وتحاول داعش التسلل شمالا عبر العراق الرازح تحت وطأة التقسيم والاشتعال، كما يحاول أعداؤها إثارة الفتن والقلاقل في الداخل، ما يجعل الحزم السلماني مطلوبا في الداخل والخارج معا، ولعل هذه الجولة الجديدة من التعيينات الملكية تؤكد أن الأمن القومي للمملكة واستقرارها لهما الأولوية في اختيارات هذه المرحلة الحساسة، وفي هذا السياق يمكن، كمثال، فهم تعيين محمد بن نايف المشهود له بنجاحه في مكافحة تنظيم القاعدة عام 2000.

 الاقتصاد السعودي يشغل الفرنسيين هذه الأيام أيضا، وتشير دراسة نشرتها لوموند الاقتصادية إلى أن السعودية البلد الأكثر شبابا في العالم العربي وأن الحكومة صرفت مبالغ كبيرة في السنوات الأخيرة على عملية التعليم إلا أن واحدا فقط من بين كل خمسة شبان سعوديين يختار دراسة فرع علمي أو تكنولوجي فيما يتوجه الأربعة الآخرون إلى الدراسات الأدبية والعلوم الإنسانية، ما يجعل الاستعانة بخبرات أجنبية أمرا ضروريا في سوق العمل السعودية ويقلل من فرص عمل السعوديين أنفسهم. ويتابع التقرير أن معظم السعوديين يحبذون الوظائف الحكومية أكثر بكثير من القطاع الخاص، ما يجعل الحكومة مضطرة إلى تخصيص مبالغ هائلة لخلق فرص عمل كافية، معتمدة بشكل رئيس على ريع النفط وهو أمر من الممكن أن يؤثر سلبا في حال انخفضت أسعار النفط.

هذا غيض من فيض ما تناقلته وسائل الإعلام الغربية التي تراهن فيما تراهن على مقدرة المملكة على التصدي لكل العقبات التي تعترض طريقها إقليميا وداخليا، ويبقى أن أقول بدافع المحبة إن وعي السعوديين هو السلاح الأقوى في هذه الفترة الزمنية الحاسمة وهو الذهب الحقيقي القادر على تطويع العالم بأسره، الوعي والشروع في عملية التنمية البشرية والاقتصادية لا يقل أهمية عن الأمن القومي للمملكة، الذهب الأسود سلاح ذو حدين، فقوته وسطوته الهائلة قد تستحيل عدوا لئيما إن لم يتم استخدامه بدهاء وتخطيط، والدهاء هنا يستدعي أن يبدأ السعوديون بإيجاد روافد ومصادر داعمة للدخل القومي عبر تأهيل كوادر بشرية مبدعة وخلاقة قادرة على المنافسة في كافة أسواق العمل وفرض اليد العاملة السعودية عبر مهارتها ودعم المشاريع العلمية والاقتصادية والتنموية القادرة على جعل المملكة قوة ضاربة في الأرض التي لا تفرغ من ذهبها البشري حتى لو فرغت من نفطها الأسود.

العالم كله يتحدث عنكم اليوم.. فأبهروه بذكائكم.. وخطوا أثركم على الرمال قبل أن تمحوه العواصف.