وأنا أراجع بعض ما ورد إلى جوالي من رسائل أثناء إقامة ملتقى: "الهوية والأدب"، قبل أسبوعين في أبها، عدت إلى حيرتي القديمة من تحول النقد إلى حملات منظمة، حول جزئية وحيدة، هي وجود المرأة.

وبجمع الرسائل إلى بعض التغريدات، أدركت أن هناك ناقدين معلنين، وآخرين متخفين، سخّروا أقلامهم، وتغريداتهم، وخطبهم، وأحاديثهم المجالسية الشفاهية، ورسائلهم "الواتسية" المطولة، لرفض أي شكل من أشكال تمكين المرأة بوصفها إنسانا، والتشنيع على كل فعل توجد المرأة فيه، وكأن الحياة والعمل مخلوقان للرجال، أو الذكور وحسب، وكأنه لم يعد لدينا من القضايا ما يمكن الحديث عنه سوى الوجود الطبيعي للمرأة الحية الفاعلة، في الحياة.

المعجم اللفظي لهؤلاء مملوء بألفاظ: "الشهوة، الجسد، الزينة، التبرج، الشبق، والرغبات، و... إلخ"، وكأننا مجتمع مهووس إلى حد إمكانية قفز بعض الكائنات على بعضها في مشهد حيواني خالص!

لا يوجد عندي تفسير مؤكد لهذا النقد المتخصص عند بعضهم، سوى أحد أمرين يبرأ منهما الدين بداهة، وهما: وجود موقف نفسي شخصي من المرأة عند بعض هؤلاء، أو البحث عن أسباب تشنيع وتشويه الفعل بالاتكاء على الدين والعرف؛ لأسباب يعلمها الراسخون في التنظيمات الهادفة إلى الإمساك بمفاصل الحياة، ومواطن التأثير، تمهيدا للإمساك بكل شيء في المشهد الأخير من الحلم.

وجود المرأة – عند هؤلاء – سبب من أسباب البشاعة والتشنيع وتحريض الجهات الرسمية والمجتمع على أي جهة رسمية أو أهلية تهب المرأة نسبة ضئيلة من حقها في الحياة والمشاركة، حتى إنها لم تعد في أذهانهم، كما كان يراها الشعراء، رمزا لمعنى يراه الشاعر جميلا، كمدينة جميلة، أو فكرة عميقة، أو قصيدة محلقة، وذلك بدهي عند إدراك ارتباط المرأة بالجمال في الحس الإنساني السليم. يقول الرافعي: "ألم تر إلى شعراء الدنيا وهم أنبياء الجمال الذي لا تتصل ملائكته بغيرهم، ولا يفهم غيرهم ما يفهمونه منها، كيف يشبهون الحسن الرائع بكل ما في الخليقة من مظاهر الروعة.... ويجمعون ذلك ثم يفيضونه في أوصاف الجميلة وجمالها، حتى لكأنها ذلك السر الذي قام به حسن الخليقة، وحتى كأن الله لم يخلقها إلا ليكون كل شيء فيها تفسيرا لشيء ما في آية من آياته، وما ذلك بمبالغة من الشعراء، ولكن أرواحهم الجميلة قد أحيط بها من هذا الجمال النسائي"، وهو بهذا يفسر استحضار المرأة عند الشعراء، كلما قفزت المعاني الإنسانية المتسامية والجميلة إلى أذهانهم، ويفسر أن من يعادي وجود المرأة العفيفة السوية الصادقة المخلصة في الحياة العامة، يعاني من خلل نفسي كبير، دون أن يعي ذلك؛ لأن استشهاداته الاعتسافية بالنصوص المقدسة من أجل تأييد وجهة نظره، يتناقض والمعروف عن حياة المرأة في العهد النبوي تناقضا تاما.

أتوقف هنا، وللحديث بقية.