حيث إني ما زلت أنهج ما تمليه عليه قرويتي من التمسك بكل ما أوتيت من قوة بالأرض: ذرات ترابها.. لحاء شجرها، فرض بلادها، أشجارها الممتدة ملء البصر.. عثربها، شثها، عرعرها وعرفجها، وكل ذلك الخضار الذي يفي القلب هجير "العمس"، حيث إني كذلك، فإنني أدعو الله ألا تختفي تلك الصورة التي غردت بها في "تويتر".
صورة أبي.. ذلك الرجل الذي تعمل بلاده بثوريه: "صبيح" و"دهمان".. أقصد، لا تختفي هذه الجماليات من قرانا، لتبقى لنا رابطا بزمننا النقي، وتكون همزة وصل لنا به لا ننفك عنه ولا نغادره برغم العاديات.
ذلك الزمن الجميل ليس فقط حكاية ثورين يجران محراثا، بل هو حكاية ارتباط بالطين وا?رض، فهمها أولئك المعلقون على الصورة، وتحسروا وتذكروا أحداث تلك الحكاية التي تتكرر في كل قرية من قرى جنوبنا ا?خضر. فلا تكاد تشرق الشمس إلا والعامل وضمادته قد أخذا "تلامين" من "الركيب" مع أغان لا يمل مغنيها ولا سامعها من تكرارها.
صبيح ودهمان أصبحا يعرفان طريقهما.. لم تكن "العرقة" أداة عقاب بقدر ما هي أداة تنبيه عندما يخطئ أحدهما نقطة الانعطاف آخر الزرع.. تلك الصورة التويترية أحدثت أمرا في النفوس حتى قال قائل منهم: "الله يسقي أيام زمان"، وهو يتذكر اسمي الثورين اللذين عمل عليهما أرضه كثيرا.. والعشرات أعادوا تدويرها ممن ينتمون إلى ذلك الزمن الجميل.. بقدر سعادتي أن أسهمت هذه الصورة في عودة شيء من تراثنا وأصالتنا، بقدر حزني أن ذلك التراث أصبح فقط مزارا مصورا وموثقا في البرامج وألبومات الصور وصفحات الكتب والمجلات! أصبحنا نبحث عنه لنستعيد ذكرياتنا فقط ونحن نتحسر على زمننا الماضي.
الرجل الذي يعمل على ثوريه لا يزال حتى اللحظة يرفض أن ينصاع للمدنية القاسية.. يسمو بنفسه في أعالي السودة، لا يألف ضجيج المدينة، ولا ينتمي إلى تلك الحياة الصماء.. يطرب لحياة الهدوء.. مسجد واحد يجمع كل الجماعة يتفقدون أحوال بعضهم، ويتعاونون في السراء والضراء معا.. ينام باكرا ويستيقظ باكرا متفقدا ثوريه وبلاده.. يبني فرضها، وينظف شعايبها، يشذب ما يحيط بها من أشجار.
يعيد الحياة إلى الأرض.. يتعدها كما يتعهد أبناءه بالرعاية والاهتمام.. هذه هي الحياة الحق التي أحن إليها.. أتمنى أن أعيشها حتى لو كان الثمن اتهامي بالرجعية والبدائية.
القرية والثوران والبلاد، وكل هذه التفاصيل، هي نسيج الحياة الأصلي، بل هي الحياة ذاتها.. أدعو أهل القرى في الجنوب أن يبقوا إلى جانب حياتهم الأصل، لا يغادرونها، وألا يتركوا المدنية السلبية تعيث فسادا في الجمال والقيم والأصالة.
أدعو رئيس هيئة السياحة الأمير سلطان بن سلمان، رائد الأصالة والجمال أن يشجع على إعادة زراعة الأرض وحرثها بالأدوات القديمة.. أن يشجع العودة إلى الأرض، وينتشلها من الوقوع تحت وطأة الأسمنت الظالم.