كمعظم الشعب السعودي، استيقظت فجر الأربعاء الماضي على قرارات نوعية ومختلفة، بعثت الأمل والاطمئنان بمستقبل بلادي، فالقيادة الجديدة الشابة، التي حازت ثقة خادم الحرمين الشريفين، ستقود الوطن – بإذن الله تعالى- لأكثر من ثلاثة عقود قادمة، برؤية واضحة وتخطيط طويل المدى، دون أن ندخل في تكهنات وتوقعات، بما أدرك الاتحاد السوفيتي في آخر عهده.
وإن خالفني الزميل الكبير جمال خاشقجي وقتما أطلقت على هذه القرارات مسمى "عاصفة التغيير"، إلا أنني مصرّ على أن خادم الحرمين الشريفين في حسمه بإعطاء الجيل الجديد الفرصة لأن يتسنم قيادة بلادنا، قناعة منه وثقة بكفاءة "المحمدين"؛ لأتصور أنه وضع بلادنا على مسار صحيح، برؤية مستقبلية واضحة المعالم والسياسة، والعاصفة شملت الوزراء، فثمة رسالة فاقعة بأن المرحلة لا تحتمل التسويف والتلكؤ، إذ لا مكان لأي وزير أخفق أو تأخر في مشروعاته، ولربما وزير الإسكان السابق مثال وشاهد.
ما الذي أتوسمه اليوم من سمو الأمير محمد بن نايف ولي العهد؟
كمواطن محب له، وفخور بما أنجزته الداخلية في عهده، والذي أُنجز ليس بالقليل، ودونكم مثالا: "حوسبة" المعاملات الحكومية، التي تقدمت بطريقة مذهلة في كل القطاعات التي تتبع وزارة الداخلية، وأزالت عن المواطن الكثير من ضياع الوقت، والبحث عن الواسطات، والتعب المضني الذي يجعله يلاحق معاملته في كل مدينة، في همّ يحمله كل ليلة، لا يدري متى ستنتهي معاملته، أو يستخرج رخصة قيادته التي فقد، أو هويته الوطنية التي كان يقف لها في تلك الطوابير الطويلة قبل أعوام. اليوم ينهي معاملته في أيام معدودات ويتتبع مسارها من بيته، ويستخرج بطاقته في دقائق معدودات، وقد اختار الوقت المناسب له عبر الحاسب الآلي، بصورة تليق بمواطن في المملكة.
لن أتزلف هنا لسموه، فشعبيته والله تسربل المجتمع من أقصاه إلى أقصاه، وقد ورث عن والده -يرحمه- الله الكثير من الصفات التي جعلته موضع ثقة الملك عبدالله -يرحمه الله، واليوم ثقة مليكنا الحازم سلمان، ومحمد بن نايف جنرال الحرب على الإرهاب، وحاز إعجاب دول العالم في طريقته الفذة في مواجهة المتطرفين أمنيا وفكريا، والأمن الذي ننعم به اليوم، إنما هو من فضل الله تعالى ثم من جنود محمد بن نايف الأبطال.
أتوجه هنا بنداء لسمو ولي العهد ورجاء، رائدي في ذلك حب هذا الوطن ومصلحته، وولائي لقيادتي التي أعتز بها وأدافع عنها في كل منبر؛ أن يدخل الفرحة والسعادة التي شملت بلادي بتعيينه وليا للعهد، بإكمال العفو عن بعض الموقوفين الذين تابوا وأقلعوا عن فكرهم، ولم يتورطوا في حمل سلاح أو عليهم دم، وكانت لهم بعض المواقف السياسية التي أقروا واعترفوا بخطئهم فيها، وتعهدوا بعدم العودة لذاك الطريق. كم سيكون يوما عظيما يا سمو الأمير عندما يعود هؤلاء إلى أهاليهم وأبنائهم وزوجاتهم ومحبيهم الذين كُلِموا بفقدهم.
لطالما كتبت، وتحدثت مفاخرا في القنوات الأجنبية بأن العلاقة التي تحكم المواطنين بولاة الأمر في السعودية هي علاقة أب بولده، وقد يخطئ الابن، ويؤدب الأب، وإن رأى الأب أية بوادر توبة وندم واعتذار، يسارع في احتضانه، بل ويكرمه ويغدق عليه فرحا بصلاحه، فهو ابنه في النهاية، ودونكم مثال شاهد قريب لأحد المعارضين السعوديين الذين قطنوا لندن، وأمضى عقدا من السنوات وأزبد وهو يهاجم ولاة أمرنا، ولكن عندما مرض والد هذا المعارض، سارع الأمير محمد بن نايف بعلاجه على حساب الدولة، وأرسله بطائرة خاصة، وقدّم له من المعروف، ما جعل ذلك المعارض يأتي معتذرا ويعود إلى بلاده، يمارس حقه في التعبير والإصلاح، فالأحرار يثمنون المعروف والجميل.
كلنا أمل يا أبا نايف، أن تدخل الفرحة قلوبنا بالعفو عمن أخطأ واعتذر وتاب، أما من عليه دم، أو حمل السلاح، أو لم تزل فيه بقية من فكر متطرف، أو كان مخالفا لمنهج علمائنا الأجلاء، أو كان متأثرا بدعوات الإصلاح التي تروم الخراب والفساد والفتنة في بلادنا، وليست من الإصلاح في شيء؛ فلا وألف لا، فالوطن خط أحمر، دونه أرواحنا، ولا نقبل بذلك.
يبقى أن أتوجه إلى بطل "عاصفة الحزم" سمو الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد، بتحية كبيرة ومباركة لهذا المنصب الذي أجمعت النخب في بلادي على استحقاقه لها، وقد رأوا جديته وحزمه مع الوزراء. الأمل يحدونا يا سمو الأمير أن تمضي في عملية الإصلاح التي نحتاجها، والبحث عن الأكفاء من الشباب، وأب الكل خادم الحرمين الشريفين بدأ "عاصفة التغيير" التي نتمنى منك إكمالها، بتغيير بقية القيادات الحالية الجاثمة في مقاعد الوزارات الحكومية والجامعات، ومرافق الدولة. الموجودون أخذوا فرصتهم عبر سنوات طويلة، وآن أوان إعطاء الشباب الفرصة أن يبدؤوا مسيرة البناء معكما.
ملفات معقدة ومتجذرة للأسف لم تزل تنخر في المجتمع، فملفات الفساد وحماية المال العام وحقوق الإنسان والمرأة وإصلاح الإعلام، كلها ملفات تستحق البدء بها، كي تمضي سفينة الإصلاح، ونتقدم علميا ونزاحم الأمم ونسهم في الحضارة الإنسانية.
تملؤني الثقة والأمل بغد مشرق واعد لبلادي مع "المحمدين" في شعار عنوانه: وطن القوة السلام وشغف الريادة بين الأمم.