شدد الناقد الفلسطيني أحمد علي هلال على أن الأدب يعاني أزمة في غياب الفكر النقدي، وانتزاع النظريات النقدية من سياقاتها، منتقدا ما يطرح في الصالونات والمقاهي الثقافية، مؤكداً أنه لا ينطلق من معايير ثقافية ولا يؤسس لحالة إبداع حقيقي.
ورأى هلال أن الممارسة النقدية تخلط بين النقدين التنظيري والتطبيقي على نحو عجيب ما يشكل متاهة للنص الإبداعي.
هلال وقف في الحوار التالي على قضايا إشكالية نقدية عدة، وبيّن رؤيته في تجربة النقد الذي تتناوله الصحف في صفحاتها الثقافية وملاحقها الثقافية.
يتحدث كثيرون عن أزمة في النقد.. هل هناك فعلاً أزمة في النقد أم في المناهج النقدية؟
- الأزمة ليست في المناهج، وليست في النقد، وإنما في غياب الفكر النقدي، وفي انتزاع النظريات من سياقاتها، ولطالما شكل غياب الفكر النقدي غياباً للممارسة النقدية المنتجة، وبطبيعة الحال الأزمة في النقد هي أزمة خطاب معرفي قبل كل شيء، قبل أن نذهب إلى ضروب ممارسات متفاوتة الأداء، ولا تجهر غالباً بمرجعيات الناقد وثقافة الناقد، وغياب الحوامل الأخرى أو تغييبها يشي بأن المناهج في صيرورة مستمرة، وبقدر ما تُفيد الناقد لينتج جهازه المفهومي وتتكامل أدواته ارتباطا بذائقته تبقى المناهج النقدية دليل الناقد وليست غايته النهائية، إذن الأزمة في غياب الثقافة الحقيقية واستبدالها الآن بثقافة الاستهلاك على غير مستوى.
هل يواكب النقد في الوطن العربي حركة الإبداع؟
إذا انطلقنا من الاطمئنان بوجود الإبداع في الوطن العربي فهذا لا يعني بالضرورة أن يواكبه النقد، ما خلا أن يكون النقد بذاته فعالية مستقلة عما يُنتج من إبداع في أكثر من مستوى، وسبب ذلك غياب كثير من الإبداع الحافز للناقد ليتكامل معه، والمواكبة فيما أظن قليلة وتتمظهر في حفاوة عابرة وتكاد تنقطع عن التقاليد الحقيقية للنقد حينما يشكل حالة استنهاض للمبدع/ المبدعة.
تمارس الصحافة عبر الصفحات والملاحق الثقافية نقدا خاصا، كيف تراه؟
النقد الصحفي مفيد وضروري لأنه يشكل، بصرف النظر عن تفاوت أدائه وغياب المعايير الحقيقية فيه، حالة مواكبة لما يُنتج في المشهد الثقافي، في مقابل نقد أكاديمي متعالٍ ظل خلف أسوار الجامعة، وفي مقابل نقد إبداعي خجول نجده هنا أو هناك، لكن إن لم تتكامل هذه الحالات الثلاث لترتقي بالمشهد الثقافي فلن تنهض بذات الوقت بالإبداع.
صحيح أنه ليس المطلوب من النقد الصحفي أن يكون عالي المستوى، لكن عليه ألا يتخلى عن معياريته، وأن يقوم به نقاد حقيقيون يكونون وسيطا حقيقيا بين المبدع والمتلقي.
وتجربة الملاحق الثقافية تجربة لافتة بحق، لأنها استقطبت أقلاما حقيقية كان لها بصماتها الواضحة، وخلقت سجالا ثقافيا ما زالت آثاره حتى الآن، بوصفه المتجاوز لضعف أداء تجربة النقد في الصحافة، وغياب الناقد الأكاديمي المتخصص غيابا قسريا أو طواعية، ولدينا الكثير من الأمثلة على حضور الملاحق الثقافية التي كانت وما زالت علامات فارقة في المشهد الثقافي العربي وفي غير بلد عربي، ودورها في الوعي الثقافي الفردي والجمعي تأصيلاً وانطلاقا إلى آفاق معرفية حقيقية ليست مستعارة.
هناك أراء متباينة حول من يتسيد الساحة النقدية، وهل هو النقد التطبيقي أم التنظيري؟
لا يمكن الجزم بسيطرة أحدهما، فثمة تفاوتات ملحوظة في أداء النقاد الذين قليلاً ما يذهبون إلى النقد التطبيقي في مقابل تنظير يسبق النص ويتجاوزه، ومرد ذلك إلى الثقافة النقدية التي تشظت وتبدد مدلولها لنقع على أشكال من النقد لا تفي حق التنظير ولا التطبيق، بل تخلط بينهما على نحو عجيب ما يشكل متاهة للنص الإبداعي. وما يستقطب القارئ اليوم أو المتلقي إن جاز التعبير، بعض ما تطرحه قنوات التواصل من قضايا فكرية وأدبية ولهذا التلقي مستويان، مستوى سلبي يقوم على تمييع الإبداع، ومستوى المنتج الذي يمارسه قلة من النقاد الموهوبين، وقنوات التواصل فضاء مفتوح لكثير من القضايا السجالية بطابعها الفكري، لكن لا يعول كثيراً على معظم ما يطرح فيها بسبب الميل أكثر إلى الاستهلاك الذي لا ينتج معنى على الأرجح.
تطرح في الصالونات والمقاهي الثقافية نصوص كثيرة، هل ترقى لمستوى الأدب؟ وهل ستسحب البساط من المؤسسات الثقافية؟
كثير مما يُطرح في الصالونات أو المقاهي الثقافية، لا يخضع لمقاييس أو معايير إبداعية في الغالب، وما لم يخضع لسلطة المعيار قبل كل شيء يبقى مجرد تقاليد خارجة عن أداء النقد والإبداع، تحتفي باللحظة وتعكسها لكنها لا تؤسس مطلقاً لإبداع حقيقي، وهذا لا يلغي أن بعض ما يطرح قد يتكامل يوماً مع المؤسسات الثقافية في صيغة تفاعلية تشاركية، لا تسحب البساط، وإنما تبحث عن قواسم مشتركة ليتكامل المشهد الثقافي، وأي تجزئة في هذا الإطار سوف تبقي الحالة الثقافية بوصفها نخبوية معزولة عن الناس، وتظل المؤسسات في روتينها دونما فعل مبدع.