شعرت بالفخر كعربي وأنا أنظر في تاريخ وإنجازات المركز القومي للترجمة، ذلك المركز الذي يرأسه الدكتور جابر عصفور ويعاونه ثلة من رموز الثقافة الكبار على مستوى العالم العربي، فهذا المركز سبق أن أعلن أنه سيأخذ على عاتقه ترجمة ألفي كتابٍ سنوياً، وقد قام هذا المركز منذ إنشائه بترجمة الكثير من أمهات الكتب في مجالات الأدب والفكر والفلسفة، وتعاون معه أسماء كبار من أمثال زكي نجيب محمود وسامي الدروبي (مترجم الأعمال الكاملة لفيودور دوستويفسكي) وزكريا إبراهيم، وعبد الغفار مكاوي مترجم كانط، وأسماء يطول حصرها. لا أخفيكم، لقد شعرت هنا، بشيء من الحسد الحلال الذي لا يتمنى زوال النعمة عن الآخرين، وإنما يتمنى مثلها لنفسه ومجتمعه.

في أواخر عام 2007 أطلقت هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، مشروع "كلمة" للترجمة والذي أستطيع أن أقول إنه قد سجل حضوراً جميلاً خلال السنتين الماضيتين فقد أخرج ثلاثمئة إصدار مترجم في هذه الفترة القصيرة، وهو بحق مشروع واعد ونتوقع منه الكثير في السنوات المقبلة. هذا المشروع الذي أعلن منذ البداية أنه لا يهدف للكسب المادي وإنما لخدمة الثقافة العربية، ومن غرائب الصدف أنه قد خطر ببالي في الأشهر الماضية أن أقوم بترجمة كتاب التنين ( leviathan ) للفيلسوف البريطاني توماس هوبز فوجدت أن مركز كلمة قد وضع هذا الكتاب على القائمة المعلنة على الإنترنت، وأن هذا الكتاب سيخرج بترجمته العربية في السنة المقبلة وهو يحمل شعار "كلمة". الشعور بالحسد الحلال ازداد هنا.

المركز الوطني للترجمة تم تدشينه في تونس عام 2008، وهناك بطبيعة الحال مراكز كثيرة للترجمة بطول وعرض العالم العربي، وليس الهدف من هذه المقالة هو إحصاء هذه المراكز، بقدر ما هو لفت النظر إلى أن المملكة العربية السعودية ليس فيها مركز ترجمة واحد من هذا النوع، قد يستغرب القارئ لكنها الحقيقة، نعم هناك مراكز ترجمة في بعض جامعاتنا، لكن هذه المراكز الجامعية لا تترجم إلا ما يحتاجه طلابها من مقررات، كما أنها تترجم الكتب العلمية فقط (كيمياء – فيزياء – رياضيات – طب) وليس لديها أي توجه لترجمة الأدب والفلسفة والفكر، هذا ما أعرفه عن تلك المراكز في جامعاتنا، وإن كنت مخطئاً أو إن كان الحال قد تغير، فأتمنى على المسؤولين عن هذه المراكز أن يصححوني، وسأكون في قمة الامتنان لهم.

عامل آخر في غاية الأهمية، يدعوني لتقديم هذا المقترح، هو أنه قد تم الإعلان عن جائزة الملك عبدالله للترجمة وذلك في أكتوبر 2006 ومقر هذه الجائزة هو مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالرياض، هذه الجائزة قد جاء في بنودها أنها لا تمنح فقط للتخصصات العلمية، بل جاء فيها أنها تشمل ترجمة العلوم الطبيعية من العربية إلى اللغات الأخرى ومن اللغات الأخرى إلى العربية، كما أنها تتضمن ترجمة العلوم الإنسانية من العربية إلى اللغات الأخرى ومن اللغات الأخرى إلى العربية. هذه الجائزة العظيمة تحتاج فعلا إلى مركز ترجمة سعودي ليكمل هذه الخطوة نحو نشر العلم والمعرفة، يبدو لي أن هذا منطقي تماماً، وهذا المركز سيكون فرصة ثمينة لكي يبرز المترجمون السعوديون ما عندهم من اهتمام بهذا المجال ويبدعوا ويتنافسوا فخادم الحرمين الشريفين قد وضع تلك الجائزة لتشجيع ودعم المواهب الوطنية وتنميتها وصقلها، وسيكون شيئاً مفيداً ومثمراً أن تتم الاستفادة من إخواننا العرب الذين سبقونا في هذا المضمار وخطوا فيه مشواراً طويلا، ومثل هذا المركز لن نجد له اسما أفضل من "مركز الملك عبدالله للترجمة"، راعي نهضتنا ومحب العلم والمعرفة، والذي أمر بإنشاء تلك الجائزة لمد جسور التواصل الثقافي بين الشعوب ودعم الاتصال المعرفي بين الحضارات.