الذي تابع بتمعن جميع حلقات مسلسل "الجماعة" التلفزيوني الذي بثته إحدى القنوات المصرية خلال شهر رمضان المبارك ثم قارن أحداث المسلسل مع المشهد العام للإسلاميين في المملكة والمنطقة سيخلص إلى نفس الحقيقة التي عنونت بها هذا الموضوع. لقد أجاد المؤلف وحيد حامد في كتابة مادة المسلسل وأبدع المخرج محمد ياسين في إخراجه حتى ظهرت هذه الدراما في غاية التشويق. يتكون المسلسل من 30 حلقة وقد جاء على شكل فلاش باك لقصة حسن البنا الذي كان يرويها القاضي المتقاعد عبدالله كساب (عزت العلايلي) للمحقق النيابي الشاب أشرف هلال (حسن الرداد). هذا المحقق كان يمهد لاستجواب بعض الموقوفين من جماعة الإخوان المسلمين بعد أن قام هؤلاء الأفراد باستعراض عسكري في إحدى الجامعات المصرية مؤخراً.
ما استوقفني حقيقة هو الحلقة التي بدأ فيها حسن البنا المتدين جداً رغم صغر سنه بممارسة النشاط الديني قبل أن يتجاوز المرحلة الإعدادية. فقد بدأ يكتب رسائل إلى بعض التجار من قريته (المحمودية) ممن يظن أنهم يرتكبون بعض المنكرات في القرية، ولم يكن أحد يعلم مصدر هذه الرسائل والتهديدات التي تحملها. ثم تطور الأمر إلى الإعلان عن هذه المناصحات عندما بدأ بعض الأعضاء ومنهم حسن نفسه بالذهاب إلى المقاهي وإلقاء الخطب الدينية والتحذير من الوقوع في المعاصي والتذكير بضعف الأمة بعد انهيار الخلافة الإسلامية العثمانية.
هذا الظهور إضافة إلى جاذبية الرجل وحسن الخطابة لديه أضاف الكثير من الوهج لهذه المجموعة الشبابية المتدينة مما أحدث قبولاً للجماعة ومناصحاتها وأنها لا تسعى إلا إلى الخير والصلاح في المجتمع.
تطور وضع حسن البنا مع صمت الحكومة وبعد انضمام الكثير من الشباب إليه وانتهى الأمر أن أصبح رئيساً للجماعة الفتية التي أسماها "جماعة الإخوان المسلمين" واتخذت لها مقراً معروفاً.
في إحدى الأمسيات طلب زعيم الجماعة حسن من أعضاء الجمعية مبايعته على السمع والطاعة في كل الظروف وكأنهم يبايعون ولي أمر المسلمين ثم اختار أن تتم تسميته بـ"المرشد العام" للجماعة. بقية القصة لا تخفى على أحد وقد انتهت بالتكفير وفتاوى القتل والاغتيالات والدماء.
الذي لاحظته من خلال المتابعة أن الأعضاء الشباب الذين انضموا في بداية القصة إلى جماعة الشيخ حسن لم يكونوا مدركين للتحولات التي قد تطرأ على الجماعة ونهجها بل إن مؤسسها نفسه لم يكن يخطط لكل هذا. لقد تأسست هذه الجماعة بدوافع الحماس الكبير لدى الشباب لنصرة الإسلام والجميع كان يحسن بها الظن. وقد كان الشيخ حسن مدركاً لذلك الحماس فهو يوصي بشكل مستمر على قبول الشباب فقط. ثم إن الشيخ نفسه كان يكرر في بدايات مولد الجماعة عدم اهتمامه بالسياسة وأن جماعته لا تملك مثل هذه الطموحات. لكنها القوة والشعور بها والتعامل مع الخصوم. لقد اضطرت الجماعة فيما بعد إلى الدخول في السياسة في محاولة لتعديل الدستور. وبعد أن فشل مرشحوها في الحصول على مقاعد نيابية نتيجة تزوير الأصوات اضطر المرشد حسن البنا إلى تشكيل تنظيم سري للقيام ببعض الأعمال السرية الخاصة انتقاماً من الخصوم الذين لم يكن يتوقع مواجهتهم.
لم يمض الكثير من الوقت قبل أن يبدؤوا بشن بعض الهجمات السرية وتعديل ما يرونه منكراً بأيديهم وبقوة السلاح. فقد بدؤوا بمهاجمة حانات الخمور وزرع المتفجرات في بعض المصالح البريطانية وغيرها. بعد القليل من الهدوء أقدموا على اغتيال رئيس الوزراء أحمد ماهر المتهم بتزوير نتائج الانتخابات ومن بعده القاضي الخزندار وغيرهما إلى أن تمت تصفية النقراشي باشا وتلا ذلك اغتيال الشيخ حسن نفسه بعد حل الجماعة رسمياً وتصفية أملاكها.
هذا ما يقلقني حقيقة عندما أتابع المشهد العام في المملكة وفي بعض الدول الأخرى المجاورة في ظل تواجد بعض هذه التجمعات وهي تجمعات غير مصرح لها. يوجد لدينا على سبيل المثال مجموعات احتسابية سرية يقال إنها هي التي أجهزت على مسرحية كانت جامعة اليمامة تقيمها قبل سنتين. كما سمعت أنهم هم من حاول إيقاف نشاط بعض المعارض الثقافية بدواعي الاختلاط. أقول ذلك لأن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي الجهاز الرسمي المعني بالتصدي للمنكر لم يكن لها أي دخل في هاتين الحادثتين. السؤال هنا هل سيقتصر عمل هؤلاء المحتسبين المتطوعين على ذلك أم سينتقل إلى ما هو أعنف وأشد في حال تجاهلهم وإهمال مطالباتهم المتشددة؟
إن إدراكنا أن هؤلاء الأفراد أو من يأتمرون تحتهم غير منتسبين لجماعة الإخوان المسلمين أو للمنظمات التكفيرية الضالة لا يكفي لتدارك خطرهم مستقبلاً. نعم ليس كل من يتحرك داخل مجتمعنا بهذه الأساليب يعتبر بالضرورة إخوانيا أو أنه بالضرورة منتمياً للقاعدة لكنه وبتحركاته هذه إنما يقوم بخدمة مبادئ هذه الجماعة أو تلك سواء شئنا أم أبينا.
من هنا فإن منح هؤلاء مساحة من الحرية للتحرك داخل فعاليات المجتمع ومناشطه ومناسباته والتقرب إلى علمائه عن طريق التقية وسكوت الحكومة عن اعتراضاتهم المتكررة على سياسات أولياء الأمر التطويرية سيزيد من قوتهم وسينمي لديهم الشعور بالقوة. لهذا فالصمت عنهم أو تجاهلهم لا يمكن أن يوصف بالقرار الحصيف. نحن بهذا الصمت نرتكب خطأ جديداً لأن هذا الحركي سيطور أدواته وسيسعى إلى المزيد من الأفعال ومن يدري فربما أنه بدأ بتجميع السلاح كما فعل حسن البنا ويخبئه في أماكن متفرقة انتظاراً للحاجة. فهل نعي هذا الخطر قبل وقوعه ونتفادى مولد تنظيم تكفيري جديد؟ أتمنى ذلك.