لا أستطيع إضافة كثير من الملاحظات النقدية إلى ما كتبته مرارا وتكرارا عن المبعوث الأممي جمال بنعمر، ولن أستغرب لشيء من أحداث اليمن الراهنة، فالمقدمات واضحة وضوح نتائجها، ويوما ما سيقف المؤرخون على جراح اليمن ويتفحصون جينات الضحايا ويتهامسون وحمرة الخجل ترتسم على ملامحهم.
هنا كان ابن عمر، وعلى مسرح الإعداد للجريمة، مرّ بان كي مون أمين عام الأمم المتحدة.
لم يقطع ابن عمر خطوة أو ينتقل من موقف إلى نقيضه ومن تحريض طرف ضد آخر إلا وبذلت جهدي في تسليط الضوء على الجنتلمان المزكرش بذكريات اليسار الانتهازي. ولو لم يكن شقيقا مغاربيا لاعتبرناه فاكهة المدرسة الموسومة بمبدأ "فرّق تسد".
أما حين نجاحه في إقناع الرئيس هادي بتعطيل الاتفاق المبرم بين السلطة ممثلة في المستشار د.عبدالكريم الإرياني وأمين العاصمة –المختطفة– صنعاء من جهة، وممثلين عن عبدالملك الحوثي في صنعاء قبيل 21 سبتمبر، وإيكال عملية التفاوض إلى المبعوث الأممي وما تمخضت عنه تلك العملية من إنجاز فاجع مهرته الأمم المتحدة بصمتها البيولوجية، فإن جاذبية المثال على سياسات الاستغفال والتوريط المتبعة لدى الدول العظمى والمنظمات الدولية أعادتنا إلى شريط الذاكرة، وتحديدا تطمينات السفيرة الأميركية للرئيس الراحل صدام حسين بالتزام بلادها موقف الحياد إزاء خيارات نظام البعث تجاه الكويت الشقيق! وكان ما كان في بغداد وعلى غراره ما هو كائن في اليمن العربي السعيد.
أحيانا لا تحملك الأحداث المروعة على الدهشة أو الاستغراب، ومهما صاحبها من انفجارات أو ترتب عليها من آثار كارثية، فإنها لا تحدث نفس الدوي لدى بعض المشتغلين بالتحليل السياسي وصناعة الرأي العام، لا لأن عطبا أصاب مشاعرهم، ولكن لتواتر الشواهد والمعطيات التي دارت مجرياتها سلفا ولم تكن تدل على نتائج أخرى غير هذه الصادمة للسواد الأعظم من أبناء المجتمع.
ليس من بين صلاحيات الأمم المتحدة ولا ضمن مهام أمينها العام تغيير النظم السياسية وإذكاء النزاعات الداخلية، ولعب دور المخلص من خلال تأميم المؤسسات الدستورية، ولا يندرج على جدول أعماله دفع الأحزاب إلى حوارات مغلقة توثق شراكتها في الانقلابات، أو وضع رئيس دولة وحكومته قيد الإقامة الجبرية وإحالتهم إلى رهائن لأغراض البصم على ما يتقرر خارج إرادتهم الحرة؟
فمن أين استمد جمال بنعمر صلاحياته للقيام بكل هذه الوظائف؟ وكيف أمكنه اقتياد اليمن إلى هذا المصير المأساوي؟
ربما قال قائل: وماذا كان بيده حتى يتحاشى الإيقاع بالحوثيين وصالح ومن ثم الجناية على حاضر البلاد ومستقبلها؟
باختصار شديد، كان عليه أن ينأى بنفسه عن لوثات السلاح، ويسدي نصيحته ولا أقول تحذيره للانقلابيين ثم يترك اليمن لليمنيين، لكنه استمرأ حالة الإذعان المطلق لدوره من قبل أحزاب التسوية السياسية، مستثمرا انشغال دول الجوار، وفي لحظة زهو حضرته "الأنا" المشحونة بتضخم الذات فاعتقد نفسه –وصيا– ورئيسا على اليمن وأن بمعيته فصل الخطاب.. على أنه في حقيقة الأمر أول مبعوث أممي يُحمّل منظمته وصم التآمر الانزلاق خارج أدبيات الأمم المتحدة، وتقديم اليمن ساحة للصراعات الإقليمية.
أحسب أن اليمن لا يعوزه شماعات نعلق عليها أخطاء وخطايا يمنيين أضلهم الله على علم فتقطعت بهم سبل الارتقاء إلى مستوى المسؤولية.
أما الأشقاء وفي مقدمتهم حكومة المملكة فهم -ولا ريب- أطلقوا مبادرتهم ذائعة الصيت بدافع الحرص على اليمن، وقياما بواجب الأخوة والجوار، في حين نتطلع يوما بعد يوم إلى إيصال البلاد إلى بر الأمان بعيد دخول المبادرة الخليجية حيز التنفيذ.