بصدور مجموعة القرارات الملكية يوم أمس الأربعاء (29 أبريل) أخذت المملكة العربية السعودية خطوة مهمة أخرى في ترتيب البيت السعودي، بعد حزمة القرارات التي صدرت في شهر يناير الماضي.

فبعد أن أصبحت المملكة العربية السعودية تمثل مركز الثقل الرئيسي في قيادة المنطقة، دبلوماسيا واقتصاديا وعسكريا، أصبحت تبعات هذا الدور تتطلب تشكيل فريق يتناسب مع المرحلة والأزمات التي تواجهها المنطقة، ويأخذ بعين الاعتبار تراجع دور الدول العُظمى وتنامي الحاجة تبعا لذلك إلى قيادة وطنية وإقليمية فاعلة.

ولعل أهم هذه القرارات هي تعيين ولي العهد وولي ولي العهد من أحفاد المؤسس، في نقلة غير مسبوقة في تاريخ المملكة. فتم تعيين الأمير محمد بن نايف وليا للعهد ونائبا لرئيس مجلس الوزراء، بالإضافة إلى وزارة الداخلية ورئاسة مجلس الشؤون السياسية والأمنية. وتعيين الأمير محمد بن سلمان وليا لولي العهد، ونائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء، بالإضافة إلى وزارة الدفاع ورئاسة مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية.

وأشارت القرارات الملكية إلى التوافق داخل الأسرة المالكة على هذه التطورات، حيث أشارت إلى خطاب الأمير مقرن بن عبدالعزيز المتضمن رغبته في إعفائه من ولاية العهد، وإلى اختيار خادم الحرمين الشريفين الأمير محمد بن نايف لشغل المنصب الثاني في قيادة الدولة. وأشارت كذلك إلى خطاب ولي العهد الأمير محمد بن نايف المتضمن ترشيحه للأمر محمد بن سلمان وليا لولي العهد، سيرا على النهج الذي أرساه الملك سلمان، حين كان وليا للعهد، مع الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله - في اختيار ولي لولي العهد، و"نظرا لما يتطلبه ذلك الاختيار من تقديم المصالح العليا للدولة على أي اعتبار آخر، مشيرة إلى تأييد الأغلبية العظمى من أعضاء هيئة البيعة لاختياره وليا لولي العهد.

وتوضح الأوامر الملكية أن أحد أهم الاعتبارات في هذه التغييرات هو تعزيز كيان الدولة ومستقبلها ورخائها، وتحقيق المقاصد الشرعية للدولة، بما في ذلك "انتقال السلطة وسلاسة تداولها على الوجه الشرعي وبمن تتوافر فيه الصفات المنصوص عليها في النظام الأساسي للحكم"، وذلك "عملا بتعاليم الشريعة الإسلامية فيما تقضي به من وجوب الاعتصام بحبل الله والتعاون على هداه، والحرص على الأخذ بالأسباب الشرعية والنظامية، لتحقيق الوحدة واللحمة الوطنية والتآزر على الخير، وانطلاقا من المبادئ الشرعية التي استقر عليها نظام الحكم في المملكة العربية السعودية، ورعاية لكيان الدولة ومستقبلها، وضمانا - بعون الله تعالى - لاستمرارها على الأسس التي قامت عليها لخدمة الدين ثم البلاد والعباد، وما فيه الخير لشعبها الوفي".

وفي المجال الدبلوماسي تم تعيين عادل الجبير، سفير المملكة في واشنطن، وزيرا للخارجية، والموافقة على طلب الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية منذ عام 1975 إعفاءه من منصبه لظروفه الصحية، وتعيينه "وزير دولة وعضوا بمجلس الوزراء، ومستشارا ومبعوثا خاصا لخادم الحرمين الشريفين، ومشرفا على الشؤون الخارجية." أي أن الأمير سعود سيظل كما كان على مدى أربعين عاما مشرفا على السياسة الخارجية للمملكة، مع إعفائه من العبء البروتوكولي والبيروقراطي الذي يتطلبه منصب وزير الخارجية. وبقاء الأمير سعود مشرفا على الشؤون الخارجية سيُسهم في طمأنة الدول الأخرى باستمرارية الدبلوماسية السعودية.

وفي المجال القضائي، تم تعيين رئيس جديد لديوان المظالم، وهو جهاز القضاء الإداري في الدولة، مهمته الأساسية إنصاف المواطنين في حالة ارتكاب أخطاء إدارية، وضمان سير عمل الدولة وفق القوانين الموضوعة لها.

كما شملت القرارات تغييرات مهمة في عدد من الوزارات الخدمية التي تمس حياة المواطن بشكل مباشر وتحظى باهتمامه دائما، وبانتقاداته أحيانا كثيرة. ففي مجال الصحة تم تعيين وزير جديد للصحة، استُدعي من قيادة شركة أرامكو، وهي مضرب المثل لدى السعوديين في الكفاءة والقدرة، لعله يُصلح من أمر هذه الوزارة التي تحظى بنصيب الأسد من شكوى المواطنين، وفي الوقت نفسه فقد تم إعفاء نائب وزير الصحة للشؤون الصحية ونائبه لشؤون التخطيط والتطوير، لتمكين الوزير الجديد من اختيار طاقمه القيادي.

وبالمثل في مجال التعليم، وبعد دمج وزارتي التربية والتعليم العالي في وزارة واحدة، وتعيين وزير جديد لها، نصت الأوامر الملكية على إعفاء نائبيه المخضرمين، مما يتيح للوزير الجديد إعادة ترتيب قيادة الوزارة التي تقدم خدماتها لملايين المواطنين والمقيمين، وهي أكبر جهاز من حيث عدد العاملين فيه وحجم قاعدة العملاء الذين يخدمهم.

وفي الفريق الاقتصادي، تم تعيين وزيرين للعمل والاقتصاد، وهما وزارتان تلقتا الكثير من الانتقادات في الماضي، وربما أدى تغيير قيادتهما العليا إلى فتح توجهات جديدة في مجالي العمل والاقتصاد.

وبذلك فإن التغيرات التي أدخلها الملك سلمان على الإدارة الحكومية، سواء في تشكيلة هرم قيادة الدولة العليا، أو في القضاء والعمل الدبلوماسي وتُطمئن المواطنين على استقرار مستقبلهم ومستقبل أبنائهم وأحفادهم. ويتطلع المواطن العادي إلى أن تنعكس التطورات الجديدة في أجهزة الصحة، والتعليم، والعمل، على مستوى الخدمات الأساسية التي تقدمها هذه الوزارات.

أما العالم الخارجي فإنه مرة أخرى يرى عن قرب قدرة المملكة العربية السعودية على التطور وانتقال السلطة وتداولها مع الحفاظ على الاستقرار والاستمرارية، ولعل الكثيرين منهم قد فوجئوا بسلاسة هذه التطورات في منطقة اشتهرت بالعنف المصاحب لأي تغيير.