دعوة المفتي العام للمملكة العربية السعودية للتجنيد لم تأت من فراغ، وأظنه حان الوقت لتطبيق التجنيد التطوعي على الأقل. وذلك بدعوة جميع الشباب العاطلين عن العمل للانخراط في التجنيد للدفاع عن الدين والوطن والدولة. وهذا "واجب شرعا"، لأن التجنيد سوف يعالج البطالة كأول مشكلة تعاني منها الدولة في الوقت الحاضر، وثانيا، أن التجنيد يعد تربية وطنية وتعزيزا للولاء والانتماء للدين والوطن والدولة، ويحد من تعرض الشباب للأفكار الهدامة التي يتعرضون لها من خلال وسائل "التخريب الاجتماعي" التي تبث كل محرم وتنشر كل أفكار الانحطاط والدمار الديني والفكري والأخلاقي، وهي وسيلة لمن يريد شق الصف الوطني ونشر البلبلة وسط الشباب.
التجنيد شرف وطني، وكل فرد منا يتمناه منذ أمد بعيد، ويجب أن يوضع له نظام يقننه على كل شاب يريد الخدمة العسكرية بدلا من التسكع في المقاهي والتفحيط في الشوارع ما يؤدي إلى مشكلات أمنية، وهنا نقترح أن توضع ضمن برنامج التجنيد مقررات أخلاقية تعلم الشباب الخلق الحميد، والتعامل الحسن، وتعلمهم كيف يتخذون قراراتهم الإنسانية، وكيف يتعاملون مع الآخرين، ويكون ذلك وفق ضوابط ومبادئ عالية القيمة والقيم، التي تهذب الأنفس وتوجد المواطنين الأوفياء لدينهم ووطنهم، والذين يحترمون الحقوق ويقومون بالواجبات، هذا التجنيد سوف يعالج مشكلات كثيرة، فهو غير ملزم للتوظيف إلا من يحتاج إليهم الجيش والأمن والحرس الوطني وغيره من المؤسسات الوطنية العسكرية، ويمكن أن يكون التجنيد شرطا تفضيليا للتوظيف في المؤسسات الحكومية والأهلية، ونتوقع ممن يخضع للتجنيد أن يكون قد تعلم الانضباط والمسؤولية والقدرة على المبادرة والتحمل والتضحية من أجل المصلحة العامة. كما أننا نتوقع أن تقوم المعسكرات التي تقوم بتدريبهم بوضع كامل طاقتها لبناء شخصياتهم وتنمية مهاراتهم، ويعد هذا التجنيد قوة رادعة لمن تسول له نفسه العبث بأمن بلاد الحرمين الشريفين، من الداخل والخارج، خاصة أن هذه الفترة مهمة للغاية لأن الشباب متحمس ولديه الرغبة في خدمة الدين والوطن والدولة، بل إن التجنيد يجمع جميع الراغبين فيه ويسمح لهم بالتعرف على واجباتهم تجاه الدين والوطن والدولة، التجنيد واجب ديني بمقتضى العمل بالآية القرآنية في قوله تعالى "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم.."، والترهيب هنا هو قوة الردع والتخويف لمنع الاعتداء، وليس للاعتداء كما يصوره الأعداء والجهلاء بكتاب الله وسنة رسوله، كما أن التجنيد مسألة سيادة وطنية في معظم دول العالم، ولهذا يعتبر خدمة للوطن أو للعلم، حيث معظم دول العالم - وأولها أميركا - تجند مواطنيها من أجل خدمة العلم، فكيف بنا نحن، ونحن نواجه تحديات مختلفة تستوجب أن يكون شبابنا جاهزين لمواجهة أي عدوان.
التجنيد سوف يعالج الكثير من المشكلات التي تواجه الدولة نتيجة فراغ الشباب. وقد عشنا سنين طويلة ونحن نحلم بالتجنيد لما له من قيمة إضافية على المستويات كافة الفردية والأسرية والاجتماعية والوطنية، وهو أهم أدوات محاربة الإرهاب الذي يأتي نتيجة اندفاع الشباب للانخراط في الجماعات الإرهابية، ولهذا يجب عدم التردد في التجنيد حتى يتم استيعاب الشباب وحثهم على الدفاع عن وطنهم في السلم والحرب.
إن المتتبع لمن يعمل في المؤسسات العسكرية والأمنية يجد لدى الشباب روحا وطنية عالية جدا، وحسا أمنيا وشعورا بالانتماء لدينهم ووطنهم ودولتهم. وهذا هو المتوقع من التجنيد، ويجب أن تصاحبه حملة إعلامية لتوعية المواطنين والشباب بأهمية هذه الخدمة الوطنية في حياة كل فرد، حتى الفتيات اللاتي يجب أن يتعلمن كيف يمكنهن خدمة الوطن في مجالات وفق الضوابط الشرعية، خاصة في المجالات التي تتعلق بالجوانب الإنسانية الإدارية والخدمات، كما يجب أن يركز برنامج التجنيد على ثقافة التطوع.
من ناحية أخرى فإن التجنيد العسكري سوف يعالج الكثير من المشكلات الصحية مثل السمنة والسكري وغيرها من الأمراض التي تنتج من عدم وجدود الحركة المستمرة والرياضة التي تسهم في اللياقة البدنية للأفراد. وهذا ما يجب الانتباه إليه في ما يخص الفتيات حيث يجب أن يشجعن على القيام بالأعمال التي تحتاج إلى المشي والحركة بدلا من الركود والاستسلام للأمراض العصرية الناتجة عن الراحة وكثرة النعم التي لها انعكاسات سلبية على الصحة العامة للمجتمع.