ومن كل "واتساب" عميق بعيد، لا زالت تنهمر علي بغزارة تلك الرسالة الواحدة التي تحمل صورة تذكارية لطالبات أول وأقدم مدرسة في كل عسير، والسؤال: ماذا فعلنا لهذه الكوكبة من الشامخات الشريفات اللواتي غيرن ذات زمن ملامح الحياة في هذه المدينة، وأخرجن لها آلاف البيوت التي امتلأت بقناديل النور والأمل؟ كل اسم شريف من أخواتي الكريمات في تلك الصورة التذكارية كانت، وحدها، تملأ مدرسة مكتملة. من هو "الأبهاوي" الذي لم يمر عليه اسم "لولو القديمي" يوم كانت بصرامة تمثل إدارة تعليم مستقلة. كنت قبل زمن مضى، أقف على باب المدرسة الابتدائية الأولى لبنات أبها أنتظر خروج "ابنتي" الكبرى، لمى، من مدرستها، وكنت مع بقية الآباء نقف في طابور صامت لأن "سالمة البشري"، ومن خلف الباب تتأكد بحزم بالغ أن كف كل طفلة خرج من الباب إلى كف أبيها يوم كان للتعليم حزم وعزم. من هو "الأبهاوي" الذي لا يعترف بفضل وكبرياء "صالحة قدح" بكل الهيبة التي غرستها في التربية والتعليم إلى كل بيوت أبها القديمة؟ يوم كانت كل المدينة أربع مدارس ابتدائية ومتوسطتين وثانوية واحدة، من هو "الأبهاوي" الذي سينكر فضل أخواته يوم كانت هذه الصورة الرائعة تجمع كل الطيف الوطني من بنات الأسر الشريفة: البلاع والوابل والمطرفي والقدسي والعسيري والنعمي ونيازي والأختين عداوي وكل الأسماء الأخرى التي لم تصلني بعد؟

السؤال الجوهري ماذا فعلنا لهؤلاء الشريفات الأصيلات اللاتي اكتفين لهن جميعا برسالة "واتساب" رغم أنهن الرائدات الأوائل اللواتي ساهمن في تغيير جوهري لملامح مجتمع ومدينة؟ وخذ بالمثال أن بلدية المدينة قد أحصت لشوارعنا 3400 اسم ومسمى. أنا أسكن في شارع قصير أسموه شارع لبيب بن أسد وفتشت عنه في كل مكان فلم أجد له وسما أو أثرا. لماذا لا يكون شارع "صالحة عسيري" التي وهبت أملاً ومستقبلاً لآلاف البيوت بهذه المدينة. يذهب ابني الصغير "خلدون" كل صباح إلى مدرسة حبيب بن زيد، فلماذا لا تكون مدرسة "شريفة البشري" التي كانت مع أم خلدون شريكة في تربية أختيه. لماذا، وفي أقل تكريم ورسالة شكر لا نمنح هؤلاء أسماء شوارع ومسميات مدارس وهن النجوم الساطعة التي أنارت ذات زمن أسود مظلم كل قبس النور، ثم أخذن فيما بعد آلاف أخواتنا وبناتنا إلى شروق الفجر في هذه المدينة؟ لماذا نتعب في البحث عن الأسماء للشوارع والمدارس في القواميس وبطون كتب التاريخ بينما اليوم تحتفي كل هذه المدينة بصورة تذكارية لكل هؤلاء الشريفات اللواتي ذهبن إلى الفصل الدراسي في مغامرة يوم كان تعليم المرأة عيبا ومسبة؟ انتهت المساحة.. عفوا.. ولم تكتمل الفكرة.