لا شيء أروع من تلك البطولات والملاحم التي يسطرها رجال المقاومة الشعبية ضد الانقلابيين سوى أنهم ينتمون لمناطق يمنية متباعدة عن بعضها، ما يرسم صورة جمالية في غاية التلاحم، تعكس مدى إجماع اليمنيين من مختلف مناطقهم وانتماءاتهم على مناهضة المشروع الانقلابي والسلطوي.
بإمكان من يقترب عن كثب من رجال المقاومة المرابطين في جبهات مختلفة أن يلحظ بسهولة تنوعهم القبلي والسياسي، ووجودهم من أطياف مختلفة، لكن اتفاقهم الرافض للمشروع الذي يقوده المتمرد الحوثي والرئيس المخلوع علي صالح جعل قلوبهم تجتمع على قلب رجل واحد، فالذي يهدد أمن شمال اليمن هو في الوقت نفسه يهدد جنوبه، وهو ما يتوجب على الجميع مقارعته، كل بالسبل المتاحة له.
وكما أنهم متفقون جميعا على رفض التمرد فهم يرون أن مشروعه لا يمثل إرادة اليمنيين إطلاقا، ولا يعبر البتة عن جزء من هذا البلد، بل هو مشروع تدميري، كل الناس براء منه، وإنما يحاول هذا التحالف الانقلابي إيجاد شرعية له من خلال التستر تحت مسميات عدة، تارة بدعوى المناطقية، وتارة باسم المذهبية، وأخرى لذرائع عرقية، وكلها في الآخر سواء من حيث السوء والتخلف.
يعرف الحوثي الذي تحالف المخلوع معه أخيرا أن كل اليمنيين يمقتون مشروعه، ولولا أنه مدرك لهذه الحقيقة لما خاض كل هذه الحروب ضد اليمنيين، ظنا منه أنهم سيقبلون به حين تكون فوهات البنادق مصوبة نحو صدورهم.
"الوطن" رصدت عشرات الحالات التي تؤكد تنوع رجال المقاومة الشعبية واجتماعها من مناطق مختلفة، فابن محافظة إب وسط اليمن يقاتل بشراسة إلى جوار أخيه في محافظتي عدن وتعز في الجنوب، وابن محافظات صعدة وعمران وحجة في الشمال يقاتل في صف أخيه بمحافظة مأرب والضالع شرق البلاد.
وما يؤكد هذا التآلف والاتفاق البديع بين اليمنيين استشهاد عدد من الذين وفدوا إلى جبهات القتال لمجابهة الخطر الذي يهدد كل اليمنيين، فقبل يومين فقط استشهد عمر محمد الثلايا، أحد أبناء محافظة عمران، وهو يقاتل إلى جانب أبناء مأرب، الاعتداء الانقلابي في مديرية صرواح غرب مدينة مأرب.
والشهيد عمر الثلايا فتى في ربيعه الثالث أوشك على الحصول على شهادة البكالوريوس، تخلى عن كل ذلك وقطع عشرات الكيلومترات ليصل إلى مأرب، لمساندة إخوانه وتحقيقا لرغبة كل اليمنيين من صعدة شمالا إلى المهرة شرقا، وتطلعهم أكثر من أي وقت مضى إلى وقف خطر يشكل أكبر تهديد على مستقبلهم ومستقبل بلادهم.
ويعيد هذا التآلف المجتمعي والإجماع الشعبي إلى أذهان اليمنيين ما حدث في ثورة 2011، حين خرج كل اليمنيين ليهتفوا برفض سلطة المخلوع، وسالت دماء اليمني الشمالي إلى جوار أخيه الجنوبي، وكان الكل يرى أن القاتل لا يمثل أحدا وإنما هو تعبير عن كائن مسخ لا ينتمي حتى للآدمية نفسها.
يقول اليمنيون اليوم إن توحدهم وإجماعهم الذي أزاح المخلوع صالح من الحكم سينجح في إفشال خططه التخريبية وتحالفه مع المتمردين الحوثيين، حينها فقط ستعانق المدن اليمنية بعضها البعض وستلتقي عدن بصنعاء وصعدة بالمكلا، فرحا بقضائها على تحالف شرير طالما أذاق اليمنيين الويلات قرونا وعقودا مضت.