في فيلم كل المخاوف (Sum of all Fears) تم استعراض واقعة انفجار قنبلة نووية في العاصمة الأميركية، والفيلم يعرض احتمال حدوث مثل هذا؟ وماذا يمكن أن يترتب عليه من توتر العالم أجمع؟ فالمسألة جد كما ترون وما هي بالأمر الهزل؟ وقصة أبراج نيويورك لم تبق في نيويورك بل وصلت تورا بورا؟ وحين نسمع اعترافات مكنمارا وزير الدفاع الأميركي عن أزمة كوبا وكاسترو المجنون وكلاهما مجنون، نضع يدنا على رأسنا كيف لم نفجر العالم؟ فالتعليمات كانت واضحة للقباطنة الروس بضرب أميركا بالسلاح النووي إذا هوجموا، ولم يكن بينهم وبين الهجوم إلا شعرة، ويعترف مكنمارا فيقول الحظ والصدفة هي من أنجانا وليست عقولنا وتدبيرنا، لنقل نحن لطف الله بعباده وخطة الرب لهذه المعمورة. ونفس الكلام تكرر بعبارة مختلفة على لسان (لي بتلر) الاستراتيجي النووي الأميركي حين قال كنا نلعب الروليت الروسي؟

وحاليا جاءت اتفاقية ستارت الثانية لخفض مخزون الترسانة النووية إلى حوالي 1500 رأس نووي استراتيجي عند كل من ديناصوري العالم الكبار أو غوريلات العالم الجديد. وهو أمر يبشر بالخير، ولكن الخوف الكبير مازال يطوق العالم، وأي تفجر نزاع نووي سوف يقود العالم إلى كارثة فعلية. وأي حرب تقليدية قد تنتهي بجهنم النووية، وهو سر خوف الكبار من حصول الصغار على الأسلحة الاستراتيجية النووية أو البيولوجية؟ فهل يمكن وصول العالم إلى شاطيء الأمن والسلام؟

إنه عنوان السؤال الذي طرحته قناة بي بي سي اللندنية على الناس (BBC) في خريف عام 2010م؟ وهوعنوان الكتاب الذي خطه فيلسوف التنوير الألماني إيمانويل كانط (نحو السلام الأبدي Zum ewigen Frieden) وهو أول من اقترح قيام منظمات عالمية لرعاية السلام العالمي، من نموذج عصبة الأمم التي رعاها ويلسون الأميركي، وجمعية الأمم المتحدة الحالية، وكلتاهما منظمتان تشبهان قبور الأولياء التي يحج إليها الفقراء الدراويش، ويظنون أنها تضر وتنفع وهي لا تملك لهم ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. والمهم هو نوع الأفكار التي طرحها الرجل، وسوف تجد مسارها الصحيح ولو طال الزمن. وهي نفس المشكلة التي ناقشها فيكتور فيرنر في كتابه (الحرب العالمية الثالثة ـ الخوف الكبير) وقام بطرح أربعة تساؤلات مصيرية عن (السلام المستحيل) و(الحرب المستحيلة) و(أوهام اللاعنفيين) ليقترح في النهاية (دراسة ظاهرة الحرب علميا) كما تدرس خواص فيروس الإيدز الذي بدأت أرقامه تتفاقم في كل مكان؟ وحيث إن فيروس الإيدز لم يعثر على لقاح له أو علاج فعال (حاليا يعالج بكلفة خمسين ألف دولار سنويا للمصاب بمركبات الثميدين الثلاثية)، كذلك فعل الجنرال (غاستون بوتول) بفتح معهد لدراسة وباء الحرب، وهو يقول إن الحرب كلفت من الأرواح ما لم يكلفه أي مرض ظهر على وجه الأرض حتى اليوم بفارق أن الحرب يخوضها البشر العقلاء بوعي وإرادة وتصميم بقيادة جنرالات معتوهين، قد رصعت صدورهم بالنياشين مثلما رأيت أنا على صدر أبو علي أغطية السيفن آب والبيبسي كولا في مصح القصير خارج دمشق للمجانين؟ كتاب الخوف الكبير أو الحرب العالمية الثالثة نشرته المؤسسة العربية للدراسات والنشر، وصاحب الكتاب فيكتور فيرنر عسكري مخضرم يعرف ما يقول، والكتاب دسم وجدير بالاطلاع، وأنا شخصيا قرأته العديد من المرات على طريقتي في قراءة الكتاب الجيد عدة مرات.

وفي كتاب الخوف الكبير يمكن أن يستفيد الإنسان من عدة أفكار رئيسية مستقاة من علوم إنسانية شتى مثل فلسفة التاريخ والأنثربولوجيا والبيولوجيا، ويمكن اختصار حجة أصحاب الحرب المستحيلة في تغير طبيعة الحرب كلية، فلم يعد من منتصر ومنهزم بل الكل في البلاء المبين. وأما أصحاب نظرية السلام المستحيل فترجع أيضا إلى عنصرين اجتماعي وبيولوجي؛ فدماغنا مركب بطريقة ثلاثية من المخ العلوي المتطور على حساب دماغين أوسط وسفلي وهما من بقايا الزواحف والثدييات، وكأنها ثلاث لغات في القحف بدون ترجمان بينها، ولذا كانت العدوانية ضرورية للحفاظ على الذات، لنقل بكلمة أدق استخدام العنف في وجه الوحوش والأفاعي الضارة؟

أما حجة علم الاجتماع فهي أن مسيرة الإنسان على الأرض مكنته من تأسيس الدولة على حساب مصادرة حريات الأفراد مقابل منحهم الأمن الداخلي؟ وإذا كانت الدولة قد نجحت في توفير الأمن للأفراد؛ فليس ثمة دولة عظمى تحقق هذا بين الدول، كما حققت الدولة القطرية الأمن للأفراد فيها، وبذلك توقفت الحرب وإلى الأبد؟ وخلاصة هذا الكلام خطيرة؛ فهي تقول إن الحرب ستبقى توقد وتخمد، حتى يصل الجنس البشري إلى مرحلة الدولة العالمية، ويتم فهم تركيب الإنسان البيولوجي وأدمغته الثلاثة؟