نحن في الأمة الإسلامية جميعا نحظى بأعظم دين ورسالة وكتاب، وأعظم نبي، ونتجه جميعا إلى قبلة واحدة نصلي في اليوم خمس مرات، وبالرغم من كل ذلك نحن من أكثر الأمم اختلافا، ومن أكثر الأمم كراهية بعضنا لبعض ومن أكثر الأمم اقتتالا ومن أكثر الأمم تخلفا.. أليس هذا أمرا عجيبا؟
أليس من العجيب أيضا أن يكون هناك مثل الاتحاد الأوروبي الذي لا يجمعه دين ولا تربط بينه عقيدة ولا يلتقون في تاريخ، بل العكس كان تاريخهم كله اقتتالا وحروبا واختلافا، وبالرغم من ذلك شكلوا وحدة في جسد يلمّ شتاتهم على كل المستويات الاقتصادية والسياسية والمصيرية، والمواطن البريطاني مواطن في فرنسا على سبيل المثال أو في أي دولة أوروبية يختار العمل والسكن، ويحظى بكامل الحقوق التي يحظى بها المواطن الأصلي، وأهم من ذلك أنه لا يمكن أن تتخلف دولة أو تسقط اقتصاديا أو تهاجم عسكريا، إذا حدث ذلك ستهب كل دول الاتحاد لحمايتها، ورأينا كيف يتم ذلك في اليونان المتعثرة اقتصاديا، وفي إسبانيا أيضا.. أليس هذا أمرا عجيبا؟
ألسنا نحن في الإسلام أولى بذلك منهم؟ والسؤال الكبير هنا ما هو سبب إخفاقنا ونجاح الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال؟ الجواب بكل بساطة الذي يمثل السبب هو "منهجية التفكير". نحن نفكر بشكل خاطئ منهجيا وهم يفكرون بشكل صحيح.. عند الاختلاف لا نفكر بمصالح الأمة ومستقبل الأمة وتقدم الأمة، هم يضعون كل الخلافات جانبا في سبيل مستقبل أمتهم.. ما هي مصلحة ألمانيا على سبيل المثال في دعم اليونان بستين مليار يورو على سبيل المثال لتقوم من عثرتها، وهي لا يجمعها معها دين ولا لغة ولا تاريخ؟ أليست منهجية التفكير التي تجبرهم على التفكير الصحيح الذي يجعلهم في مصاف الدول المتقدمة القوية المتماسكة؟ ونحن؟ نحن على استعداد أن نختلف وينصب بعضنا لبعض العداء ونتقاتل عندما نختلف على طول الثوب أو قصره، أو وجود اللحية من عدمها على أن تلك سنن نقدرها ونحترمها ونجل صاحبها عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم..
لكن أليس من منهجية التفكير الصحيح أن نؤجل تلك الأمور وننشغل في مناقشة ضعف الأمة وتخلفها وتفرقها حتى إذا ما بقي علينا إلا هذه الأمور فلا مانع من وضعها على طاولة البحث والنقاش.. هذه هي منهجية التفكير الصحيح التي نفتقدها فتفرقنا واختلفنا وتخلفنا ووجدها الآخرون فتماسكوا واتفقوا وتقدموا.. وصف الله - سبحانه وتعالى - أمتنا بأنها خير أمة: "كنتم خير أمة أخرجت للناس" آل عمران: 110. وذلك لأننا ننتمي لأفضل دين وأسمى عقيدة.. الدين الذي يسمو بنا بفضل سمو مثله وقيمه وأخلاقه.. فهو دين المحبة والتسامح والتعاون والتفكر والتدبر والصفاء والنقاء.. وإذا أردنا أن نسحب هذه القيم السامية على ما نراه من طرح وما نشاهده من حوارات رأيت أننا أبعد ما نكون عن هذه القيم السامية.. فما الذي يحدث لأبناء هذه العقيدة النقية الطاهرة؟ إنه سؤال كبير ومحير؟ محتوى حواراتنا لا يهم أمتنا في عصرها هذا.. حوارات حول تاريخ ذهب وذهب أهله وأفضوا إلى ما قدموا وكل ما نكسبه من هذه الحوارات هو الانشقاق والتفرقة.. فلماذا نلجأ لمثل هذه الحوارات؟ وحواراتنا يغلب عليها شن الحروب الشعواء ضد بعضنا البعض ولا نرضى دون هزيمة من نتحاور معه. فلماذا نريد هزيمة بعضنا البعض ومن نخدم بذلك؟
إننا لا ننشد الحقيقة في حواراتنا بل نحتكرها، إننا لا نناقش لنتعلم بل لنعلم، إننا لا نتحدث بهدوء بل بأصوات مرتفعة، إننا لا نحترم الآراء المخالفة بل ننسفها، وهذه جميعا تخالف قيم الحوار وأدبياته. روي عن أبي حنيفة: "كنا نتجادل وكأن على رؤوسنا الطير مخافة أن يزل صاحبنا". ونحن نناظر ونريد أصحابنا أن يزلوا بل نتشوق لزلتهم.. أين أنت يا أبا حنيفة لترى قومي اليوم؟ أمتنا تعاني من الضعف والهوان والخذلان، وتتطلب حوارا جادا هادفا يقيلها من عثرتها، ويرتقي بها من هوانها، ويسمو بها إلى مكانة عقيدتها. أمتنا تحتاج إلى كل ذلك إلى جهد كل فرد من أفرادها، إننا نسير في الاتجاه المعاكس يا قوم، والمكاسب الشخصية هي مكاسب على حساب العقيدة وعلى حساب الأمة وعلى حساب النصر والعزة.. إننا نقوم بدور الأعداء فيهزم بعضنا البعض ويهدم بعضنا مجد بعض لننحدر إلى مزيد من الضعف ومزيد من الهزيمة.. قولوا لي بربكم ماذا نستفيد من حوارات تاريخية نختلف فيها في إيجابيات شخصية إسلامية أو سلبياته؟ أو موقعة تاريخية؟ وقولوا لي بربكم ماذا نستفيد عندما تنتصر بحجتك في أمر لا يعالج قضية مهمة أو يكون لبنة في بناء الأمة؟ إنها منهجية التفكير العقيم الذي تعاني منه أمتنا وأبناؤها في هذا العصر.. تلك المنهجية التي تجعلنا نتقاتل عند قضية لا تنفع الأمة في حاضرها.
أنا لا أقلل من أهمية المواضيع لكنني أقول إنها في الوقت الخطأ.. كنت أتمنى أنه لا ينقص أمتنا إلا ما نتحاور فيه اليوم، لكن الأمر غير ذلك، إننا في وادٍ وقضية أمتنا الحقيقية ضعفها وهوانها وتخلفها، والتي يجب أن نجتمع على مناقشتها ونجد الحلول الكفيلة بحلها في وادٍ آخر.. كان يجب هنا أن يكون الحوار.. وكان يجب بما تمليه علينا قيمنا ومثل ديننا السامية أن نختلف حولها اختلاف تنوع في الطرق والأساليب المؤدية للأهداف التي نتفق عليها.. هنا اختلافنا اختلاف تنوع مطلوب.. لكن الذي يحدث هو اختلاف التضاد الذي يفرقنا ويفتتنا. ومع أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - صاحب الصواب والحق إلا إن الله - عز وجل - يأمره بمنهج تفكير سام في الحوار، حيث يقول عز وجل: "وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين". وخلاصة القول، يجب أن ننظر إلى بعضنا البعض بمنظار الدين الواحد والهم الواحد والهدف الواحد، لدينا الكثير الذي يجمعنا وليس لدينا ما يفرقنا، لكنها منهجية التفكير التي يجب أن نعالجها أولا وثانيا وثالثا. فلنعد التفكير في طريقة تفكيرنا ففي طريقة تفكيرنا خلل كبير.