يقول عالم الحيوان النمساوي تاليس: إن الذئاب لا تتقاتل حتى الموت، بل لا بد أن يقوم المهزوم بحركة استعراضية يسترضي فيها المنتصر، ثم ينسحب ناجيا بحياته. في عاصفة الحزم كان الأقوى أكثر وعيا وإنسانية من المهزوم.
لقد وضعت السعودية وحلفاؤها كثيرا من خطوط الرجعة أمام الحوثي، لكنه لم يلتفت إليها وهو يوغل في قتل نفسه وتخريب بلده؛ دون أن يتوقف لحظة ليلتفت حوله أين من أغروه بهذا؟ أين إيران التي أمدته بأسلحة لا يعرف كيف يستخدمها؟ أين المخلوع علي عبدالله صالح الذي طار بأبنائه وأمواله بعيدا عن اليمن وترك الحوثي يحفر قبره وفناءه وحده؟
لقد كانت عاصفة الحزم فرصة عظيمة لنرى اليمن التي كان يغري اللون الأخضر الذي يكسو جبالها بالاقتناع باسم اليمن السعيد، لكن في كل يوم من أيام العاصفة كانت اليمن تظهر شيئا فشيئا كأرض من الكآبة والنكات المبكية!
من أين أتى هؤلاء الحوثيون؟ أمن رحم جهنم، وأعني بها جهنم الفقر المعرفي والمادي والأخلاقي أيضا؟!
لماذا يبدون بكل هذه المناظر الفقيرة والبشعة، وهذا السلوك غير المهذب والمحمل بالشتائم الصبيانية؟
أن ترى رجلا تعرفه القناة بأنه متحدث عن الحوثيين، ثم في نصف الحوار يقف ليلعن أمهات الموجودين، ويلقي بأجهزة الصوت لاعنا المذيعة هي الأخرى، أو يأتي آخر ليتهم الحاضرين بعدم الفهم والوعي، أو يتحمس أحدهم فيخبر بمخططهم مع إيران كاملا أمام الشاشات وأمام الناس!!
اعتبر كثيرون تلك الحوارات التلفزيونية مادة للسخرية من الحوثي، لكنها لم تكن كذلك لمن يملك القليل من الإنسانية التي تدفعك لسؤال نفسك سؤالين مهمين: من صنع الكهوف التي كانوا فيها؟ من جعل من السهل عليهم أن يقتعنوا بصرختهم المزعومة "الموت لإسرائيل" ثم يدسونه عمدا في حناجر أهل عدن العزل من السلاح ويجدون الأمر منطقيا جدا؟!
لقد كان الحوثي شريكا لباقي اليمنيين في الفقر، ولا شك في آثاره أيضا؛ ما يجعل من الصعوبة بمكان التفريق بينهم؛ وبالتالي ممارسة طائفية ممنهجة ضدهم؛ لذا في الحالة اليمنية بالذات كان الغضب الحوثي قادما من داخل ذواتهم.. من شعور عظيم بالخسارة؛ فلم يستطع الحوثي نسيان أنهم حكموا صنعاء ذات يوم قبل أن يتخذ اليمانيون قرارهم ويقصوا الحوثيين عن الحكم؛ ما أعقبه حقد هؤلاء الحوثيين تجاه باقي اليمنيين ترجمه توجيه سلاحه للشعب حتى قبل عاصفة الحزم، عبر تفجير مساجد السنّة وحمّى اعتقالات الطلبة والشيوخ وسلسلة الاغتيالات لشباب رفض تسلطهم.
أنت لا تستطيع أن تساعد غاضبا، والحوثيون غاضبون جدا، وهو ما سهل قيادتهم نحو الإحراق والتدمير عبر الشعارات العاطفية التي يبرز فيها الموت بطريقة بشعة، خاصة عندما يصرخ بها طفل في التاسعة من العمر وهو مدجج بالسلاح؛ تشعر لحظتها بأن عليك أن تبتعد عنه ولا تفكر حتى في مساعدته. كما أن لديهم شعورا بأنهم مستهدفون بسبب عقيدتهم، رغم أنهم المذهب الأقرب للسنة، وهم أنفسهم لا يؤمنون بصحة المذهب الإثنى عشري؛ ما يوجه بوصلة أسباب عاصفة الحزم إلى غير العقيدة، بل إلى خيانة وطن بالانجرار وراء دعوات إيران، وما يؤكد ذلك السلوك التدميري الذي انتهجوه من قبل عاصفة الحزم.
لكنك أيضا لا تستطيع كأخ عربي ومسلم لليمن أن تترك عصابة الحوثي تدمر اليمن لمجرد أن السنين لم تداوِ جراحهم وعاطفيتهم الحمقاء، أو أن تبعدهم عمّن أقنعهم بأن الأقلية قد تحكم الأغلبية، رغم أن أبسط مبادئ الديموقراطية لا تمكن من حدوث ذلك أبدا.
إن لديك موقفا يجب أن تلتزم به كجار عربي مسلم استنصرك رئيس شرعي منتخب له حق النصرة والمساندة.
إن مساعدة اليمن ومساعدة الحوثي نفسه الأولى أن تبدأ بنزع السلاح؛ ليس الثقيل فقط وهو ما دمرته عاصفة الحزم، بل السلاح الشخصي داخل اليمن، فشعب يمسك بالخنجر أكثر من الكتاب لن يفلح أبدا، كما أن حالة الغضب والاستعمال اليومي لمادة مثل القات قد تدفع للاستخدام الخاطئ للسلاح.
إن اليمن اليوم يستحق الأمل الذي تصنعه السعودية بعون الله لها، وهو واجب ستتمه بإذن الله، كما أن اليمن بعد نزع سلاحه سيصبح فرصة حقيقية لاستثمار العقول والأموال، وربما حينها يكون اليمن السعيد حقا.